تحفه الاحوذي (صفحة 770)

قَوْلُهُ (امْتَرَى رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ تَمَارَى قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الِامْتِرَاءُ وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا تَنَازَعَا وَاخْتَلَفَا فَقَالَ هُوَ أَيِ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أول يوم أحق أن تقوم فيه (هَذَا) أَيْ هَذَا الْمَسْجِدُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ هُوَ مَسْجِدِي (يَعْنِي مَسْجِدَهُ) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي يفسر قول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَفِي ذَلِكَ أي مسجد قبا خَيْرٌ كَثِيرٌ زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ يَعْنِي مسجد قبا وَهَذَا قَوْلُ الرَّاوِي يُفَسِّرُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَيْ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ ذلك مسجد قبا

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى هُوَ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يوم فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَسْجِدُ قُبَاءٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ

وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا

وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هُوَ هَذَا وَفِي ذَلِكَ يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَلِأَحْمَدَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ

وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب مرفوعا

قال القرطبي هذا السؤال صدره ممن ظَهَرَتْ لَهُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ فِي اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَنَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَسْجِدُهُ

وَكَأَنَّ الْمَزِيَّةَ الَّتِي اقْتَضَتْ تَعْيِينَهُ دُونَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ لَمْ يَكُنْ بِنَاؤُهُ بِأَمْرِ جَزْمٍ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ أَوْ كَانَ رَأْيًا رَآهُ بِخِلَافِ مَسْجِدِهِ أَوْ كَانَ حَصَلَ لَهُ أَوْ لِأَصْحَابِهِ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْقَلْبِيَّةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ انْتَهَى

قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمَزِيَّةُ لِمَا اتُّفِقَ مِنْ طُولِ إِقَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ قباء فما أقام به إلا أيام قَلَائِلَ وَكَفَى بِهَذَا مَزِيَّةً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى مَا تَكَلَّفَهُ الْقُرْطُبِيُّ

وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الْمُرَادِ مَسْجِدَ قُبَاءٍ

وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَزَلَتْ (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) فِي أَهْلِ قُبَاءٍ وَعَلَى هَذَا فَالسِّرُّ فِي جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُهُ رَفَعَ تَوَهُّمَ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِمَسْجِدِ قُبَاءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قال الداوردي وَغَيْرُهُ لَيْسَ هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015