وَالْإِرْسَالِ لِبَيَانِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ يَتَأَتَّى مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَقِيلَ ضَمَّنَ الْقَوْلَ مَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ أَمَرَ الْجِبَالَ قَائِلًا ارْسِي عَلَيْهَا وَقِيلَ أَيْ ضَرَبَ بِالْجِبَالِ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ أَيْ مَخْلُوقَاتِكَ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيدُ فَإِنَّهُ يُكْسَرُ بِهِ الْحَجَرُ وَيُقْلَعُ بِهِ الْجِبَالُ النَّارُ فَإِنَّهَا تُلِينُ الْحَدِيدَ وَتُذِيبُهُ قَالَ نَعَمْ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يُطْفِئُ النَّارَ قَالَ نَعَمْ الرِّيحُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تُفَرِّقُ الْمَاءَ وَتَنْشَقُهُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنَّ الرِّيحَ تَسُوقُ السَّحَابَ الْحَامِلَ لِلْمَاءِ نعم بن آدَمَ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ إِلَخْ أَيِ التَّصَدُّقُ مِنْ بَنِي آدَمَ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ وَمِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ
وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ وَقَهْرَ الطَّبِيعَةِ وَالشَّيْطَانِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ لِأَنَّ صَدَقَتَهُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فِي الصُّعُوبَةِ وَالشِّدَّةِ وَإِذَا فُرِضَ نُزُولُ عَذَابِ اللَّهِ بِالرِّيحِ عَلَى أَحَدٍ وَتَصَدَّقَ فِي السِّرِّ عَلَى أَحَدٍ تَدْفَعُ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ فَكَانَ أَشَدَّ مِنَ الرِّيحِ قَالَهُ فِي اللُّمَعَاتِ
وَقَالَ الطيبي فإن من جبلة بن آدَمَ الْقَبْضُ وَالْبُخْلُ الَّذِي هُوَ مِنْ طَبِيعَةِ الْأَرْضِ
وَمِنْ جِبِلَّتِهِ الِاسْتِعْلَاءُ وَطَلَبُ انْتِشَارِ الصِّيتِ وَهُمَا مِنْ طَبِيعَتَيِ النَّارِ وَالرِّيحِ فَإِذَا رَاغَمَ بِالْإِعْطَاءِ جِبِلَّتَهُ الْأَرْضِيَّةَ وَبِالْإِخْفَاءِ جِبِلَّتَهُ النَّارِيَّةَ وَالرِّيحِيَّةَ كَانَ أَشَدَّ مِنَ الْكُلِّ انْتَهَى
اعْلَمْ أَنَّ إِيرَادَ التِّرْمِذِيِّ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ فِي آخِرِ التَّفْسِيرِ كَإِيرَادِهِ أَحَادِيثَ شَتَّى فِي آخِرِ أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بقوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم أَيْ وَصَّيْنَاهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ (مِنْ قَبْلُ) أَيْ قَبْلَ أَكْلِهِ مِنْهَا فَنَسِيَ أي عهدنا ولم نجد له عزما حَزْمًا وَصَبْرًا عَمَّا نَهَيْنَاهُ عَنْهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ تَحْتَ قَوْلِهِ وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قبل فنسي ولم نجد له عزما وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْبَابِ الثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أن تميد بكم