صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنَ الدِّينِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ وَعَلَيْهِ كَانَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَخِيَارُ التَّابِعِينَ إِلَى أَنْ حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنَ الْقَدَرِ (قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ أَيْ أَنَّهُ وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ وَلَا هِيَ النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ عَلَى نَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) أَيْ وَشَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا إِلَخْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ مَا أَكْثَرَ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قلوبكم وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بيت من المسلمين قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ يُقَيَّدُ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَا يُطْلَقُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَإِذَا حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا اسْتَقَامَ لَكَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ وَاعْتَدَلَ الْقَوْلُ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ شَيْءٌ مِنْهَا وَأَصْلُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ فَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْإِيمَانَ أَيْضًا قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي شَاهِقِ الْجَبَلِ إِذَا عَرَفَ اللَّهَ بِعَقْلِهِ وَصَدَّقَ بِوُجُودِهِ وَوَحْدَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ وَكَذَا فِي الْكَافِرِ إِذَا اعْتَقَدَ جَمِيعَ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ اعْتِقَادًا جَازِمًا وَمَاتَ فَجْأَةً قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ انتهى
وقال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمنا إِلَخْ قَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ أَخَصُّ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا وَلَمْ يُعْطِ رَجُلًا مِنْهُمْ شَيْئًا فَقَالَ سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَمْ تُعْطِ فُلَانًا شَيْئًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُسْلِمٌ حَتَّى أَعَادَهَا سَعْدٌ ثَلَاثًا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَوْ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُسْلِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ أَخَصُّ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ انْتَهَى
(قَالَ فَمَا الْإِحْسَانُ إِلَخْ) هُوَ مَصْدَرٌ تَقُولُ أَحْسَنَ يُحْسِنُ إِحْسَانًا وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ