دَابَّةٌ لِخُبْثِهِ وَلَوْ أَكَلَتْ مِنْهُ مَاتَتْ
وَالْمُرَادُ هُنَا شَوْكٌ مِنْ نَارٍ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ وَأَحَرُّ مِنَ النَّارِ (لَا يسمن) أَيْ لَا يُشْبِعُ الْجَائِعَ وَلَا يَنْفَعُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ كَثِيرًا (وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أَيْ وَلَا يَدْفَعُ وَلَوْ بِالتَّسْكِينِ شَيْئًا مِنْ أَلَمِ الْجُوعِ
وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ليس لهم طعام إلا من ضريع إِلَى آخِرِهِ (فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ) أَيْ ثَانِيًا لِعَدَمِ نَفْعِ مَا أُغِيثُوا أَوَّلًا (فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ) أَيْ مِمَّا يَنْشَبُ فِي الْحَلْقِ وَلَا يَسُوغُ فِيهِ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ لَا يَرْتَقِي وَلَا يَنْزِلُ وَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وعذابا أليما
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ فَيَتَنَاوَلُونَهُ فَيَغَصُّونَ بِهِ (فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ) مِنَ الإجازة بالزأي أن يسيغون (الْغُصَصَ) جَمْعُ الْغُصَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ مَا اعْتَرَضَ فِي الْحَلْقِ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَالِجُونَهَا (فِي الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ) أَيْ عَلَى مُقْتَضَى طِبَاعِهِمْ (بِالشَّرَابِ) أَيْ لِدَفْعِ مَا حصل لهم من العذاب (فيدفع إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ) بِالرَّفْعِ أَيْ يُدْفَعُ أَطْرَافُ إِنَاءٍ فِيهِ الْحَمِيمُ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الشَّدِيدُ (بِكَلَالِيبِ الْحَدِيدِ) جَمْعُ كَلُّوبٍ بِفَتْحِ كَافٍ وَشَدَّةِ لَامٍ مَضْمُومَةٍ حَدِيدَةٌ لَهُ شُعَبٌ يُعَلَّقُ بِهَا اللَّحْمُ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْكَلَالِيبُ جَمْعُ كَلُّوبٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ حَدِيدَةٌ مَعْطُوفَةُ الرَّأْسِ يُعَلَّقُ عَلَيْهَا اللَّحْمُ وَيُرْسَلُ فِي التَّنُّورِ انْتَهَى (فَإِذَا دَنَتْ) أَيْ قَرُبَتْ أَوَانِي الْحَمِيمِ (شَوَتْ وُجُوهَهُمْ) أَيْ أَحْرَقَتْهَا (فَإِذَا دَخَلَتْ) أَيْ أَنْوَاعُ مَا فِيهَا مِنَ الصَّدِيدِ وَالْغَسَّاقِ وَغَيْرِهِمَا (قَطَّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ) مِنَ الْأَمْعَاءِ قِطْعَةً قِطْعَةً (فَيَقُولُونَ ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ) نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ ادْعُوا وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ يَقُولُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ فَيَدْعُونَهُمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ ادْعُوا رَبَّكُمْ يخفف عنا يوما من العذاب (فَيَقُولُونَ) أَيِ الْخَزَنَةُ أَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات قالوا أَيِ الْكُفَّارُ بَلَى قَالُوا أَيِ الْخَزَنَةُ تَهَكُّمًا بِهِمْ (فَادْعُوا) أَيْ أَنْتُمْ مَا شِئْتُمْ فَإِنَّا لَا نَشْفَعُ لِلْكَافِرِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا في ضلال أَيْ فِي ضَيَاعٍ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ حِينَئِذٍ دُعَاءٌ لَا مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ
قَالَ الطِّيبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ لَيْسَ بِمَفْعُولٍ (ادْعُوا) بَلْ هُوَ مُنَادًى لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب وقوله ألم تك تأتيكم إِلْزَامٌ لِلْحُجَّةِ وَتَوْبِيخٌ وَأَنَّهُمْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ أَوْقَاتَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَعَطَّلُوا الْأَسْبَابَ الَّتِي يَسْتَجِيبُ لَهَا الدعوات قالوا فادعوا أنتم فإنا لا نجترىء عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ فَادْعُوا لِرَجَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْبَةِ فَإِنَّ الْمَلَكَ الْمُقَرَّبَ إِذَا لَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُ فَكَيْفَ يُسْمَعُ دُعَاءُ الْكَافِرِينَ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُولُونَ) أَيِ الْكُفَّارُ (ادْعُوا مَالِكًا) وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا أَيِسُوا مِنْ دُعَاءِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ لِأَجْلِهِمْ وَشَفَاعَتِهِمْ لَهُمْ أَيْقَنُوا أَنْ لاخلاص لَهُمْ وَلَا مَنَاصَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ (فَيَقُولُونَ يا مالك ليقض) أي