الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ النَّوَافِلُ دُونَ الْفَرَائِضِ
قَالَ القارىء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ إِذْ قَدْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِصْلَاحُ فِي فَسَادٍ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ سَفْكُ الدِّمَاءِ وَنَهْبُ الْأَمْوَالِ وَهَتْكُ الْحُرُمِ أَفْضَلُ مِنْ فَرَائِضِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْقَاصِرَةِ مَعَ إِمْكَانِ قَضَائِهَا عَلَى فَرْضِ تَرْكِهَا فَهِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ أَهْوَنُ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِ العباد فإذا كان كذلك فيصبح أَنْ يُقَالَ هَذَا الْجِنْسُ مِنَ الْعَمَلِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِكَوْنِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ أَفْضَلَ كَالْبَشَرِ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَكِ وَالرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ (قَالَ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَحْوَالِ بَيْنِكُمْ يَعْنِي مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ وَاتِّفَاقٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَهِيَ مُضْمَرَاتُهَا
وَلَمَّا كَانَتِ الْأَحْوَالُ مُلَابِسَةً لِلْبَيْنِ قِيلَ لَهَا ذَاتُ الْبَيْنِ كَقَوْلِهِمْ اسْقِنِي ذَا إِنَاءَكَ يُرِيدُونَ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ (فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَالِقَةُ الْخَصْلَةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَحْلِقَ أَيْ تُهْلِكَ وَتَسْتَأْصِلَ الدِّينَ كَمَا يَسْتَأْصِلُ الْمُوسَى الشَّعْرَ وَقِيلَ هِيَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَالتَّظَالُمُ
قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ حَثٌّ وَتَرْغِيبٌ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَاجْتِنَابٌ عَنِ الْإِفْسَادِ فِيهَا لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ سَبَبٌ لِلِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ ثُلْمَةٌ فِي الدِّينِ فَمَنْ تَعَاطَى إِصْلَاحَهَا وَرَفَعَ فَسَادَهَا نَالَ دَرَجَةً فَوْقَ مَا يَنَالُهُ الصَّائِمُ الْقَائِمُ الْمُشْتَغِلُ بِخُوَيْصَةِ نَفْسِهِ
فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْحَالِقَةُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَمْرُ الدِّينِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ
قَوْلُهُ (أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامِّ) بْنَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ الْأَسَدِيَّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ قُتِلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ وقعة الجمل