يَعْنِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ
[2233] قَوْلُهُ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فِيهِ الْحَلِفُ فِي الْخَبَرِ مُبَالَغَةً فِي تَأْكِيدِهِ (لَيُوشِكَنَّ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَيَقْرَبَنَّ أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ سَرِيعًا (أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ) أَيْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِبَعْضِ الْأُمَّةِ مِمَّنْ لَا يُدْرِكُ نُزُولَهُ (حُكْمًا) أَيْ حَاكِمًا
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ لَا تنسخ بل يكون عيسى حاكما مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (مُقْسِطًا) الْمُقْسِطُ الْعَادِلُ بِخِلَافِ الْقَاسِطِ فَهُوَ الْجَائِرُ (فَيَكْسِرُ) أَيْ يَهْدِمُ (الصَّلِيبَ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِ أَيْ فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية
وقال بن الْمَلَكِ الصَّلِيبُ فِي اصْطِلَاحِ النَّصَارَى خَشَبَةٌ مُثَلَّثَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ مُثَلَّثَةٍ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ صُورَةُ الْمَسِيحِ (وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ) أَيْ يُحَرِّمُ اقْتِنَاءَهُ وَأَكْلَهُ وَيُبِيحُ قَتْلَهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ يُبْطِلُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ بِأَنْ يَكْسِرَ الصَّلِيبَ حَقِيقَةً وَيُبْطِلَ مَا تَزْعُمُهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمِهِ (وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ) قَالَ الْحَافِظُ الْمَعْنَى أن الدين يصير واحد فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَالَ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُمْكِنُ صَرْفُ مَالِ الْجِزْيَةِ لَهُ فَتُتْرَكُ الْجِزْيَةُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا
وَقَالَ عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ تَقْرِيرَهَا عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ وَيَكُونُ كَثْرَةُ الْمَالِ بِسَبَبِ ذَلِكَ
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ عِيسَى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَكُونُ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةً
قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَى وَضْعِ عِيسَى الْجِزْيَةَ مَعَ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِنُزُولِ عِيسَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْخَبَرُ وَلَيْسَ عِيسَى بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ الْجِزْيَةِ بَلْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِلنَّسْخِ فَإِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْكُمُ بِشَرْعِنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ شَرْعُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيَفِيضُ الْمَالُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَكْثُرُ وَيَنْزِلُ الْبَرَكَاتُ وَتَكْثُرُ الْخَيْرَاتُ بِسَبَبِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ التَّظَالُمِ وَتَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ