تحفه الاحوذي (صفحة 3007)

الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَحْرِيمِ شَجَرِ الْمَدِينَةِ وَخَبْطِهِ وَعَضُدِهِ وَتَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَتَنْفِيرِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْهَادِي وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمَدِينَةِ حَرَمًا كَحَرَمِ مَكَّةَ يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَشَجَرُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ قَطَعَ شَجَرًا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنُّسُكِ فَأَشْبَهَ الْحِمَى

وَقَالَ بن أبي ذئب وبن أَبِي لَيْلَى يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرُ إِلَى أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحَرَمٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَقَطْعِ الشَّجَرِ وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ انْتَهَى (فَمَنْ أَحْدَثَ) أَيْ أَظْهَرَ فِي الْمَدِينَةِ (حَدَثًا) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْأَمْرُ الْحَادِثُ الْمُنْكَرُ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْنَاهُ وَلَا مَعْرُوفٌ فِي السُّنَّةِ (أَوْ آوَى) بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ

قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَوَى فَآوَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ أَوَيْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ وَآوَيْتُ غَيْرِي وَأَوَيْتُهُ

وأنكر بعضهم المقصوري الْمُتَعَدِّيَ

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ وَمُحْدِثًا بكسر الذال وَفَتْحِهَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَمَعْنَى الْكَسْرِ مَنْ نَصَرَ جَانِبًا وَآوَاهُ وَأَجَارَهُ مِنْ خَصْمِهِ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَمَعْنَى الْفَتْحِ هُوَ الْأَمْرُ الْمُبْتَدَعُ نَفْسُهُ وَيَكُونُ مَعْنَى الْإِيوَاءِ فِيهِ الْمَرْضِيَّ بِهِ وَالصَّبْرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا رَضِيَ بِبِدْعَتِهِ وَأَقَرَّ فَاعِلَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا فقد آواه قاله العيني

وقال القارىء بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْ مُبْتَدِعًا وَقِيلَ أَيْ جَانِبًا إِلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (فَعَلَيْهِ) أَيْ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (لَعْنَةُ اللَّهِ) أَيْ طَرْدُهُ وَإِبْعَادُهُ

قَالَ عِيَاضٌ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْمُرَادُ بِلَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ

قَالَ وَالْمُرَادُ بِاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ هُوَ كَلَعْنِ الْكَافِرِ (وَالْمَلَائِكَةِ) أَيْ دُعَاؤُهُمْ عَلَيْهِ بِالْبُعْدِ عَنْ رَحْمَتِهِ (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أَيْ مِنْ هَذَا الْحَدَثِ وَالْمُؤَدِّي أَوْ هُمَا دَاخِلَانِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ يَقُولَ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَالظُّلْمُ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا

وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِمَا فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الصَّرْفُ الفريضة والعدل النافلة ورواه بن خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِالْعَكْسِ

وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ لَا يُقْبَلُ قَبُولَ رِضًا وَإِنْ قُبِلَ قَبُولَ جَزَاءٍ وَقِيلَ يَكُونُ الْقَبُولُ هُنَا بِمَعْنَى تَكْفِيرِ الذَّنْبِ بِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى الْفِدْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِدًى يَفْتَدِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ يَفْدِيَهُ مِنَ النَّارِ بِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (وَمَنِ ادَّعَى) أَيِ انْتَسَبَ (أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ) بِأَنْ يَقُولَ عَتِيقٌ لِغَيْرِ مُعْتِقِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015