لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ انْتَهَى
قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَالْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْمُشَارَكَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ
والسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يُصْنَعَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ حَالِهِمْ
فَحُزْنُ مَوْتِ وَلِيِّهِمْ اقْتَضَى أَنْ يُتَكَلَّفَ لَهُمْ عَيْشُهُمْ
وقَدْ كَانَتْ لِلْعَرَبِ مُشَارَكَاتٌ وَمُوَاصَلَاتٌ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ وفي حالات اجتماعها انتهى قال القارىء وَالْمُرَادُ طَعَامٌ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحُزْنَ الشَّاغِلَ عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ لَا يَسْتَمِرُّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ ثُمَّ إِذَا صَنَعَ لَهُمْ مَا ذُكِرَ سُنَّ أَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ اسْتِحْيَاءً أَوْ لفرط جزع انتهى
وقال بن الْهُمَامِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جَعْفَرٍ طَعَامًا وَقَالَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ انْتَهَى
وقَالَ القارىء وَاصْطِنَاعُ أَهْلِ الْبَيْتِ الطَّعَامَ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ بَلْ صَحَّ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نَعُدُّهُ مِنَ النِّيَاحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ جرير رضي الله عنه أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ انْتَهَى
وإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ جَرِيرٍ هَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى القبر يوصي لحافرا أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ فَأَجَابَ وَنَحْنُ مَعَهُ فَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا الْحَدِيثَ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ هَكَذَا فِي الْمِشْكَاةِ فِي بَابِ الْمُعْجِزَاتِ
فَقَوْلُهُ فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ إِلَخْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ دَعْوَةَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَكَلُوا فَإِنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي امْرَأَتِهِ رَاجِعٌ إِلَى ذَلِكَ الْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَتِهِ فَمَا التَّوفِيقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ لَفْظُ دَاعِي امْرَأَتِهِ بِإِضَافَةِ لَفْظِ امْرَأَةٍ إِلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلِ الصَّحِيحُ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ
قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ دَاعِي امْرَأَةٍ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وفِي الْمِشْكَاةِ دَاعِي امْرَأَتِهِ بِالْإِضَافَةِ انْتَهَى
ورَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 392 ج 5 وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ أَيْضًا دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ بَلْ زَادَ فِيهِ بَعْدَ دَاعِي امْرَأَةٍ لَفْظَ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ هَذَا لَفْظُ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ إِضَافَةِ امْرَأَةٍ إِلَى الضَّمِيرِ ظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ جَرِيرٍ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ هَذَا فَتَفَكَّرْ
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ