في تحريم الصلاة إلى القبور وفي النهي عن الصلاة فيها؟ وأي مفسدة في تقدم رمضان بيوم أو يومين؟ وعن سب آلهة المشركين في وجوههم؟ إلى أضعاف أضعاف هذا مما نهى عنه الشارع سدا لذريعة إفضائه إلى المحرم الذي يكرهه ويبغضه وهل هذا إلا محض حكمته ورحمته وصيانته لعباده وحميته لهم من المفاسد وأسبابها ووسائلها؟
والعاقل العارف بالواقع يعلم أن إفضاء هذا السماع إلى ما حرمه الله ورسوله إن لم يزد على إفضاء النظر فليس بدونه بل كثيرا ما يكون إفضاؤه فوق إفضاء الخمر؟ فإن سكر الخمر إفاقة صاحبه سريعة وسكر السماع لا يستفيق صاحبه إلا في عسكر الهالكين.
قلت: وقد صدق ابن القيم رحمه الله فإن أثر السماع في المبتلين به ظاهر ومشاهد كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وحسبي أن أذكر لك مثالا واحدا مما شهدته بنفسي مما يجسد في الأذهان المعنى الصحيح لقوله تعالى: {لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقد كنت في المسجد يوم الجمعة أستمع إلى الخطبة وبجانبي شاب في نحو الثلاثين من العمر وقد جلس متربعا وهو يطقطق بأصابعه على الأرض كما لو كان يسمع أغنية فهو يرقص أصابعه معها وأشرت إليه بالامتناع والاستماع إلى الخطبة.
فهذه الحادثة من حوادث كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن السماع قد صد أهله عن ذكر الله - كالخمر - وعن الاستماع إليه والله عز وجل يقول: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ومن المعلوم أن الآية تشمل الجمعة كما في بعض الآثار وهو اختيار ابن كثير فقد صدهم اللهو عن الذكر والاستماع إليه والله المستعان.