قلت: لا يقبل من يحيى هذا الإطلاق في حق ابن مهدي.

وقد ذكرت في (صفة الناقد) ما روي عن ابن المديني قال: " إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن؛ لأنه أقصدهما، وكان في يحيى تشدد " (?).

وإذ قال ابن معين هذه العبارة المشعرة بتساهل ابن مهدي وأشار إلى تقديم القطان عليه، فإنه أيضاً قال في موضع آخر: " كان يحيى بن سعيد القطان لا يروي عن إسرائيل، ولا شريك، وكان يستضعف عاصماً الأحوال، وكان يروي عمن هو دونه: مجالد " (?).

وإنما كان ابن معين يتشدد، بل هو معروف بذلك، كما بينته في غير موضع.

وفي الجملة: فهذا جرح غير مفسر السبب، وربما كان مرجع التارك إلى علة لا تكون جرحاً قادحاً.

كما وقع من عبد الله بن المبارك، وكان من أئمة النقاد، وقد اعتدَّ أهل العلم بتركه فيمن ترك، وبروايته فيمن روى عنهم، كان ربما ترك الراوي فأعاد السَّبب إلى أنه اقتدى ببعض من يثق به في هذا العلم، وليس من أجل علة بينة بنى عليها تركه، كما قال عبد العزيز بن أبي رزمة (وكان ثقة): جلس ابن المبارك بالبصرة مع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وذكر قوماً من أهل الحديث، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، لم تركت الحسن بن دينار؟ قال: " تركه إخواننا هؤلاء " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015