الشرط الثالث: إن كان ضعيفاً صالحاً، وجب أن يغاير الطريق الآخر المجبور به في محل الضعف؛ خشية مردهما إلى علة واحدة، فإن ضعف هذا الاحتمال تقويا.
وبيانه: لو كان الضعف في الطريق المراد جبره من جهة الانقطاع، وجب في جابره لو كان كذلك منقطعاً أن لا يكون انقطاعه في نفس موضع انقطاع الآخر، لمظنة أن يرجعا إلى علة واحدة.
فإن قلت: فماذا لو كان الإسناد فيما فوق محل الانقطاع فيهما مختلفاً؟
قلت: لا يدفع ذلك تلك المظنة، من أجل أن الضعفاء لسوء الحفظ قد يأتي أحدهم بالأسانيد للحديث الواحد على ألوان، فإذا كان الساقط من هؤلاء احتملنا أن يكون غير في أحد الإسنادين لسوء حفظه.
فإذا كانت العلة في كل من الطريقين عائدة إلى راو ضعيف مسمى، وجب أن يكون ذلك الضعيف في كل من الإسنادين غير الضعيف في الآخر منهما، ليعضد أحدهما الآخر، فإن كان الضعيف ذاته هو الذي روى الحديث بالإسنادين، لم يجز تقوية أحدهما بالآخر، بل كان هذا الاختلاف في الأسانيد دليلاً مؤكداً لسوء حفظه ذلك الراوي، كما كان يقع مثله لليث بن أبي سليم، وهو ممن يعتبر بحديثه في الجملة.
فإن قلت: فالمرسل، هل يقوي المرسل؟
قلت: هذا الشرط يرد القول بصحة تقوية المرسل بالمرسل، للاتفاق بين المرسلين في محل الضعف، ما لم تقم قرينة تدل على افتراق المرسلين في مصادر التلقي لذلك الحديث، وهذا دل عليه كلام الشافعي، كما سيأتي.
ووجدت له من المثال: ما اتفق على روايته فقيس بن أبي حازم، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء وعلى يده ثوب .......