وقوله تعالى بإثر الآية: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [المائدة: 104]. معناه: وإذا قيل لمن أدرك الإسلام منهم، وهم بعض من كفر وجعل البحيرة والسائبة دينا، وليس يؤخذ من هذه الآية أن القائلين لما فيها هم الذين عُنوا بالكفر في الآية التي قبلها فقط.
وإنما قلنا ذلك لوجهين:
أحدهما: كون عمرو بن لحي داخلا فيهم (ق.105.ب) باختراعه لما ذكر في الآية كما (?) قدمناه.
والثاني: قول هؤلاء المخبر عنهم: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [المائدة: 104] , ومعلوم أنهم كفار، وقد أخبروا أن حسبهم ما وجدوا آباءهم عليه، فصح أنهم وجدوا آباءهم على حال الكفر.
وهذا مثل قولهم في الآية المتقدمة: {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148].
ولذلك قال تعالى في الآية التي نتكلم فيها: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]، فنفى عنهم العلم والاهتداء.
ومثال ذلك أيضا قول الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 37].