يعم الذي يطير في الجو، ولا يطير في الجو إلا طائر، ولا يسمى طائراً إلا إذا طار بجناحين، ولا تسمى آلة الطيران جناحاً إلا إذا كانت ذات قصب وريش وأباهر وخوافي وقوادم، فقوله سبحانه: " ولا طائر " بعد ذكر الدواب موضح لما أراد من صحة التقسيم، ولفظة طائر رشحت لفظة يطير لمجيئها بعدها، ولفظة يطير رشحت الإتيان بلفظة الجناحين، فحصل من مجموع ذلك الانفصال عن الدخل المتوجه على ظاهر الآية، والله أعلم.
وكقول أبي فراس مجزوء الرمل:
في حرام الناس إن كن؟ ... ت من الناس تعد
؟ ولقد نبيت إبلي؟ - س إذا راك يصد
ليس من تقوى ولكن ... ثقل فيك وبرد
فإن أبا فراس لو اقتصر على البيت الثاني لكان الهجاء فيه غير مخلص، وكان يتوجه دخل بسبب احتمال البيت للمدح، والإتيان به في معرض الهجو، فانفصل عن هذا الدخل بالبيت الثالث.
والفرق بينه وبين الاحتراس عموم الاحتراس وخصوص هذا الباب، لأن البيت المدخول من هذا الباب يكون الدخل المتوجه عليه من جهة كونه صالحاً لضدين من الفنون، وهو في سياق أبيات مقصودة في فن واحد منهما، والاحتراس يكون بيته مدخولاً من هذا الوجه وغيره، والله أعلم.