يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما إدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنههـ بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة بل قال " إنه لا سبيل إليها " (?) فأشار رضي الله عنههـ إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد

ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئا ما فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم قال النووي في " شرح مسلم " (5 / 14) :

ولما احتاجت الصحابة (?) والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنهها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنههما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد (?) فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى يتمكن أحد من استقبال القبر

ونقل الحافظ ابن رجب في " الفتح " نحوه عن القرطبي كما في " الكوكب " (65 / 91 / 1) وذكر ابن تيمية في " الجواب الباهر " (ق 9 / 2) :

أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها وبني عليها حائط آخر صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيدا وقبره وثنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015