محمَّد ابن قَيِّم الجوزية في كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد - صلى الله عليه وسلم -" (?)، وهي:
إنَّ الله عظَّم مقدار الصدق وعلَّق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرَّهما به، فما أنجى الله مَنْ أنجاه إلاَّ بالصدق، ولا أهلكَ من أهلكَه إلاَّ بالكذب. وقد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
وقد قسَّم سبحانه الخلق إلى قسمين: سعداء وأشقياء، فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق، والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب، وهو تقسيم حاصر مطَّرد منعكس، فالسعادة دائرة مع الصدق
والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب.
وأخبر سبحانه وتعالى أنَّه لا ينفعُ العبادَ يوم القيامة إلاَّ صدقهم، وجعل عَلَم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذبَ في أقوالهم وأفعالهم.
فجميع ما نَعَاه عليهم أصلُه الكذب في القول والفعل، فالصدق بريد الِإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه، (بل هو لُبُّه وروحه. والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه) (?) ولُبُّه. فمضادة الكذب للِإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والِإيمان إلاَّ ويطرد أحدهما صاحبه ويستقرُّ موضعه. والله سبحانه أنجى الثلاثة بصدقهم (?) وأهلك غيرهم من المتخلِّفين بكذبهم،