الخُلَّة الشنعاء أحد طرفي رذيلة الكذب كان طرفها الآخر هو كتمان شهادة الصدق؛ لأنَّه إنْ كانت شهادة الزور ترمي إلى إحياء الباطل فكتمان شهادة الصدق يؤدي إلى إماتة الحق، وأنت ترى أن كليهما في المضرة والِإفساد سواء.
من أجل ذلك لم تكن عناية الشريعة المطهَّرة بالتحذير من هذه أقلَّ منها بالتنفير من تلك، وقد ورد النهي عنها في مُحكم التنزيل في مواضع متعددة لمناسبات مختلفة كقوله تعالى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 140].
{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283].
{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2].
{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] ... وغير ذلك.
وقد جاء في تفسير {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}: أنها نَدْبٌ من الله تعالى للِإنسان إلى السعي في إحياء الحق الذي يُراد جحده والشهادة به لصاحبه، ونَهْيٌ عن كتمان الشهادة سواء عَرَفها صاحب الحق أو لم يعْرِفها، وشدَّد في ذلك بأنْ جعل كاتمها آثمَ القلب. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر يدل على صحة هذا التأويل وهو قوله: "خير الشهود مَنْ شَهَد قبل أن يُستشهد" (?).