تنبيه: عَدُّ هذين -يعني شهادة الزور وقبولها- هو ما صرحوا به في الأولى وقياسها في الثانية. وشهادة الزور هي أن يشهد بما لا يتحققه.
قال العز ابن عبد السلام: وَعدُّها كبيرة ظاهر إنْ وقع في مال خطير، فإنْ وقع في مال قليل كزبيبة أو تمرة فمشكل، فيجوز أنْ تُجعل من الكبائر فطمًا عن هذه المفاسد كما جُعل شرب قطرة من الخمر من الكبائر وإنْ لم تتحقق المفسدة، ويجوز أنْ يُضبط ذلك المال بنصاب السرقة.
قال: وكذلك القول في أكل مال اليتيم.
وقد مرّ عن ابن عبد السلام أنه حكى الِإجماع على أنَّ غَصْبَ الحبَّة وسرقتها كبيرة وهذا مؤيِّد للأول، أعني أنَّه لا فرق في كون شهادة الزور كبيرة بين قليل المال وكثيره فطمًا عن هذه المفسدة القبيحة الشنيعة جدًّا، ومِن ثَمَّ جُعلت عدلاً للشرك، ووقع له - صلى الله عليه وسلم - عند ذِكرها من الغضب والتكرير ما لم يقع له عند ذكر ما هو أكبر منها كالقتل والزنا، فدلَّ ذلك على عِظَم
أمرها، ومن ثَم جُعلت في بعض الأحاديث السابقة أكبر الكبائر، انتهى باختصار قليل.
وذكر الكمال ابن الهُمام في كتابه "فتح القدير على الهداية" (?): أنَّ شُريحًا القاضي كان يبعث بشاهد الزور إلى سوقه إن كان سوقيًا وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما يكونون ويقول: إن شُريحًا يُقرئكم السلام، ويقول: إنَّا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحَذِّروا الناس منه. اهـ.