في ختمة واحدة منذ كذا وكذا سنة ولم أفرع منها، وكلما أعدت النظر ظهر لي ما لم يكن ظهر من قبل".
هذه هي أصول البيان العربي المعجزة، وهذه هي طريقة فهمه، فخذ أو
فدع!
* * *
إن المجاز وهو أساس البيان يمنعك أن تفهم إلا بالقرينة والعلاقة، فلا
يطلق لك الفهم بل يقيده بهما، ولا يترك لك أن تقول أفهم ولا أفهم بل إحدى اثنتين: إما أن تقر للكلام وإما أن تقر على نفسك.
وقد كان العرب أصحاب أذهان حديدة، وكانوا لا يكتبون، فاضطرهم
ذلك إلى الابداع في ألفاظهم وطئ المعاني الكثيرة في الكلمات القليلة والاكتفاء باللمحة الدالة والإشارة الموجزة والكناية الرائعة والتفنن في أساليب القول على وجوه شتى ومذاهب كثيرة؛ فليس يتولى هذا البيانَ العربي إلا الذهنُ الدقيق والفطنة الحادة والبصيرة النقادة، وإلا من جَرَى مجرى العرب أنفسهم، ينزعه طبع أو يجذبه أصل؛ فإن لم يكن هناك فابعَدَهُ الله، والسلام!