التي ينشأ عليها المسلمون - أهل هذه العربية - في جهات الأرض، وأن هذه الروح قائمة على نفي العصبية والوطنية كالمصرية وغيرها، فقد كانت هذه العصبية عامة في قبائل العرب حتى محاها الإسلام، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وجعلهم إخوة، ثم نفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفى المؤمنين منها بقوله:
"ليس منا من دعا إلى عصبية. . . الحديث.
وما عصبية قبيلة وقبيلة في المعنى إلا كعصبية بلد وبلد ومصرِ ومصر، وما يقولون به من تمصير اللغة لا يعدو أن يكون
وجهاً من وجوه هذه العصبية الممقوتة، فإنك لتجد المسلمين يختلفون في كل شيء حتى في الدين نفسه ولا تجدهم إلا شعوراً واحداً بالروح الدينية العربية التي مِساكها الكتاب والسنة في عربيتهما الفصيحة، وهي لا سبيل إلى التغيير أو التبديل فيها، لا على وجه التمصير ولا على وجه آخر، وسواء أكان في ذلك إصلاح بين العامية والفصحى أو لم يكن.
فإن شذ عن الجماعة فئة من شبابنا قد أخذوا بغير أخلاق هذا الدين
ونشأوا في غير قومه وعلى غير مبادئه فرأوا فيه بظنونهم وقالوا برأيهم ورضوا له ما لا يرضاه لأهله، فهؤلاء مهما كثروا لا يستطيعون أن يحدثوا حدثاً، بل يفنون والجماعة باقية، وينقصون والأمة نامية، ويذهبون إلى رحمة الله، ومن رحمة الله أنهم لا يعودون ثانية.
ولن تجد ذا دِخلة خبيثة لهذا الدين إلا وجدت له مثلها في اللغة، وإن كنا
لا نقول بالعكس، فإن فينا من الفضلاء من يخطئ في الرأي يراه أو يعجَل به
دون أن يُطيل ترديده وتقليبه، فإذا بصرته بما فيه أعانك على نفسه وأحكم ناحية الصواب منها وأعطاك عن رضا وكان في عمله خليقاً أن تعرفه بالحكمة وأن ترى تحوله عن الخطأ صواباً إن لم يكن أحسن من صوابك فليس بدونه.
هذا وإن أصحابنا لا يجهلون أن الأصل في التربية العامة بالحمل على
الأخلاق لا على العقول، وعلى روح الأمة التي تتميز بها وتتفق فيها لا على
صفاتها الأخرى، ونحن لا نجد في ذلك شيئاً في المسلمين كافة من المصريين
وغيرهم إلا ما أومأنا إليه من الروح الدينية التي تشملهم جميعاً والتي هي أساس هذا الدين فلا سبيل لتمصير العربية واعتبار هذه المصرية أصلاً لغوياً مجمعاً عليه إلا بتمصير الدين الإسلامي الذي تقوم عليه هذه العربية، فإن بعض ذلك سبب طبيعي إلى بعضه؛ فمن كشف لنا عن الوجه الذي يكون به الدين مصرياً وطنياً. . . وبصرنا باسباب ذلك ونتائجه قلنا له: أخطانا وأصبت (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ) .