قال: زعموا أنه وقعت بمدينة كذا زلزلة فتصدع أكثر دورها، فجاء
أصحابها بالمهندسين فشدوها بعمد غليظة من الخشب ليصلحوا البناء من فوتها
وهو ثابت لا ينهار، فهبط المدينة شيخ جريء أحمق، فرأى الدور من كثرة
أعمدتها كأنها قائمة على شجر، ورأى البنائين يعملون أعمالهم، فقال لبعض
وجوه المدينة: إن بلدكم هذا إلى يوم الناس هذا لم ينزل به عالم غيري فيما
أرى، وإن لكم عندي رأياً إن تأخذوا به جاءتكم هذه الدور جديدة كيوم نشأت، فإنكم تفسدونها بهذا الإصلاح وتغرَمون فيها الغرامة الكثيرة ولا تزيدون على هدمها، فاجمع لي الناس لأعرفكم ما تصنعون.
قال: فشاع ذلك عنه وتعالمه أهل المدينة، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: هذا رجل عالم وما يكون ذلك
له رأياً إلا من خبرة وتجربة وعلى بصيرة ونظر، فلا يوحشن أنفسكم منه سوء
ظن به حتى تأتوه وتسمعوه وتعرفوا ما عنده.
ثم إنهم اجتمعوا للرجل وقالوا له: أيها الحكيم، قد رأيت ما صنعت
الزلزلة ونحن في سنة شديدة جمعت علينا بين قحط الأرض وارتفاع السعر
وخراب البناء، فلعل الله قد بعثك إلينا رحمة من هذه الثلاثة الآكلة.
قال: فإني إن شاء الله ما رجوتم، وإني فيئة لكم مما أصبتم به، تلوذون بعلمي ورأيي، ولكن اتقوا الجهل من بعدي وتعلموا واعتبروا، فإن ذا العلم حقيق أن لا يَعدَمَ في كل خطب حيلة، وإن ذا الجهل خليق أن لا يجد في أي خطب حيلة.
ولم يزل يعظهم بهذا وشبهه حتى ضجوا، فقال قائلهم: أصلحك الله!
متى أقمنا الدور فرغنا لك فتعظنا وتعلمنا، أما الآن فهلم رأيك الذي وعدتنا.
قال: فاسمعوا ويحكم! أما رأيتم شجرة ألقت ثمرها ثم جاءت به من قابل؟
قالوا: كل الشجر يفعل ذلك.
قال: فما رأيتم الشجر جذوعاً متى قطعت نبتت وبسقت فروعها وأثمرت؟ قالوا: ثم ماذا؛ قال: أخزاكم الله! فكيف عميتم عن الرأي وذهبتم عن الحيلة! أفما تنظرون هذه الجذوع التي تحمل بيوتكم؛ فلو قد
نشرتموها بالمناشير لتلقي ما فوقها من هذه الدور الخربة لنبتت والله من قابل
تحمل بيوتاً جديدة صفراء وحمراء وألواناً شتى. . .
* * *
نحن لا نرى في علم الأستاذ طه حسين وأمثاله إلا الجراءة، وهي خلة من
خلال المجانين، فإنها أقرب إلى التهور والحمق ما دام صاحبها لا يضبط على
رأيه ولا يأخذ على نفسه ولا يتوقى ولا يفهم شيئاً على الأصل الذي كان عليه بل على الأصل الذي يريد هو أن يكون عليه، وفصل ما بين المجنون الجريء