يقول إن المسلم لفظة، فما حاجة اللفظة إلى أحكام وإلى علماء بهذه الأحكام، وكأنه يرى أن هذا الدين العظيم كان في تاريخه جسماً، ثم صار الذراع من

الجسم، ثم الكف من الذراع، ثم الإصبعَ من الكف، ثم الأنملة من الإصبع.

ثم الظفرَ من الأنملة، ثم القلامةَ من الظفر تُقصُّ اليوم وتُرمى ولا حول ولا قوة إلا بالله!

أما ما خبط الرجل من أن التأويل يفسد نصوص الدين، ويكون اعترافاً منا

بأن السلف كله كان مخطئاً في فهم الكتاب على غير ما تفهم وعلى غير ما يفهم العلم، فهذا كله من جهله العجيب ومن أنه لا يدري معاني ما يقول، إذ يساهم نفسه في كل ما يسنح له من فكر أو رأي بلا تمحيص، أو التمحيص ليس من قوته، أفيريد هذا الأستاذ أن تتغير الدنيا والعقول والعلوم ثم نكون نحن الجامدين على بعض معان لغوية قارة في ألفاظها؟

ألا يعلم أستاذ الأدب في الجامعة أن من أوضح أسرار الإعجاز في القرآن

الكريم أن ألفاظه تكشف لكل عصر من المعاني بمقدار ما يتقدم العقل الإنساني

في أسرار الأشياء، فكان فيها حياة أبدية، وكأنها مقدرة على طبقات العقل

والعصور. وهي مع ذلك لا تتغير، وأنه لولا هذا السر لماتت هذه الألفاظ من زمن بعيد، فلم يكن السلف مخطئاً في الفهم وإنما كانت الطبيعة مخطئة في

إفهامه، ولو كشفت له كما كشفت لنا وبقي على ذلك الفهم كما يريدنا الأستاذ أن نبقى عليه لكان هذا باباً من الجهل ليس في الجهل أوسع منه. على أن مثل هذه المسائل العلمية معدودة، والشأن كله فيما عداها من مسائل الإنسانية؛ وقد أفضنا الكلام عليها في كتابنا (إعجاز القرآن) فلا حاجة بنا لأكثر من الإشارة إليها.

وهنا سر من الأسرار العجيبة، وذلك أنه قد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قُبض ولم يفسر من القرآن إلا قليلاً جداً، وتركه للعصور وعلومها وآلاتها، فلو هو فسر لثبتت ألفاظ القرآن على معنى واحد فناقضت العلم ولكان ذلك وجهاً يُتطرق منه إلى الطعن في الإعجاز وفي الدين نفسه؛ إذ لا يسع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يفسر

للعرب على قدر أفهامهم وذرائعهم القليلة، فإذا تقدم العقل وانكشفت الحقائق أصبح ذلك لغواً.

أفلا يكفي هذا المعنى سبباً لوجوب التأويل، كما هو معنى من أظهر

معاني الإعجاز!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015