كنت أوردت في المقال الذي عنوانه "قال دمنة. . . " مثل الخطيب
الزنديق الذي غره الضعف من نفسه طيشاً ولؤماً، وغرته القوة من الناس حلماً وتكرماً، فطاش ولؤم بمقدار ما تغافلوا وكرموا وزعم له شيطانه أن الكفر لن يكون في مثل هؤلاء الجامدين كفراً إلا في المسجد الجامع، وعلى المنبر، وفي يوم الجمعة.
ولما أوفى دمنة على مهوَى المثل وأنشأ ينحدر إليه، كانت بقية
الصحيفة مقطوعة من نسختي، فقلت لعل في القراء من تكون عنده نسخة غيرها فيعارض عليها ويأتينا بما يكمل هذا، فلم يتمه أحد إلى اليوم وقد كاد ينسلخ الشهر!
ثم إن جريدة "السياسة" اليومية نشرت مقالاً لـ طه حسين يرمي فيه علماءنا
بالجمود والجهل، ويغري بهم نواب الأمة وشيوخها، ويخرجهم مخرج
المتطفلين على هذه الأمة وعلى التاريخ والعصر، وكأنه حسب - أصلحه الله - أن البرلمانيين نُسَخ من نفسه أخرجتها مطبجة الجامعة. . .
أو كأنه لا يعلم أن نفسه هذه كتاب مهماً تجهد الأبالسة في نشره لا تنشر منه في أمة يكون فيها الأزهر وعلماؤه والعربية وأدباؤها أكثر من عشر نسخ نصفُها في الجامعة المصرية وحدها. . .
ثم خرجت "السياسة" الأسبوعية وفيها مقال آخر للشيخ (أبي مرغريت)
في فلسفة العلم والدين والجمع بينهما؛ فلم يعد يسعُني في الدين وهو
ميثاق، ولا يجمل بي في الأدب وهو أمانة، إلا أن أجد بقية مَثلِ الخطيب.
فنفضت بيت كتبي نفضاً حتى أصبت القسيمة الضائعة من تلك الصحيفة.
فإذا فيها ما نسخته:
قال دمنة: فلما كانت الجمعة والتقى الناس لأداء المكتوبة، جاء الخطيب
- وكان رجلاً ضريراً - فشق المسجد حتى صعد المنبر، فتنحنح وسعل، وقال:
أيها الناس، لقد وقع في قلبي الرثاء لكم، وداخلتني الشفقة عليكم؛ فما أغشكم