بل الذي هو أخزى من هذا أن أستاذها نفسه يقول في أول كتابه صفحة
15: "وأنت ترى أنني غير مسرف حين أطلب منذ الآن. . . إلى الذين لا
يستطيعون أن يبرأُوا من القديم. . . أن لا يقرأوا هذه الفصول " هكذا بنصه.
وتالله لو أن الجامعة مدرسة كالمدارس تُدرِك معنى العلم وتعرف أنه أمانة
وعهد وميثاق، لأوجعت أستاذَها بالعقوبة على هذه الكلمة وحدها، لأنه
يفضحها شر فضيحة وينفي الثقة بها وبعلمها؛ إذ لا ثقة برأي إلا بعد تمحيصه
ونقده، ولن يكون النقد نقداً إذا كان من أنصارك ومؤازريك، بل هو النقد إذا جاء من المعارضين لك والمنكرين عليك، ثم لا يتم له معناه إلا إذا كان من أقواهم فكراً وأصحههم رأياً وأبلغهم قلماً؛ فإن لم ينتقدك هذا ومثله فادفعهم إليك دفعاً وتحدهم تحديا وارمِهم بالعجز إذا لم يفعلوا؛ فإن الحجة ليست لك ولا هي لهم وإنما تنحاز إلى الغالب منكما؛ وحتى الحجة الصحيحة فإنها أبداً في حاجة ماسة إلى حجة أخرى تؤيدها أو تفسرها أو تحدها أو تمنع اللبس بينها وبين غيرها، فكل شيء فإنما صحته وتمامه في معارضته ونقده، إذ المعارضة نصف الحق وإن هي لم تكن حقًّا لأنها تُبينه وتجلوه وتقطع عنه الألسنة وتنفى عنه الظنة، ومن هنا يظهر لك السر المعجز الغريب البالغ منتهى الدقة في القرآن الكريم، فإن هذا الكتاب من دون الكتب السماوية والأرضية هو وحده الذي انفرد بتحدي الخلق وإثبات هذا التحدي فيه، وبذلك قرر أسمى قواعد الحق الإنساني ووضع الأساس الدستوري الحر لإيجاد المعارضة وحمايتها، وأقام البرهان لمن آمنوا على من كفروا، وكان العجز عنه حجة دامغة معها من القوة كالذي مع الحجة الأخرى في إعجازه، فسما بالحجتين جميعاً، وذلك هو المبدأ الذي لا استقلال ولا حرية بغيره، وما الصوابُ إذا حققتَ إلا انتصار في معركة الآراء؛ ولا الخطأ إلا اندحار فيها لا أقل ولا أكثر، وبهذا وحده يقوم الميزان العقلي في هذه الإنسانية.
يقول الأستاذ المدير: "أترى لو أنك تفكر تحت وصاية الغير هل أنت
تفكر"؟
فإذا لم أكن تحت وصاية الغير يا سيدي المدير ولكني أفكر تحت وصاية
رغبة مجنونة ونية خبيثة شهدت عليها الأمة كلها فهل أنا عندك أفكر؟
ألا تراني حينئذ إذا كنتَ رجلاً عادلاً أني في أشد الحاجة إلى حمايتي من وصاية ضارة بوصاية لا أقل من أن تمنع الضرر؛ وما الفرق بين رغبة تمسني من غيري فتفسد