يكن مثلَ حجر؛ ولكن الشيخ فهم ذلك من قول الطبري: إن حجراً قال لمن
حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديداً ولا تغسلوا عني دماً فإني ألاقي معاوية
غداً على الجادة! ثم قُدم فضرب عنقه، قال هشام: كان محمد بن سيرين إذا
سئل في الشهيد يُغَسل؛ حدثهم حديث حجر؛ فأنت ترى أنهم يسألون ابن
سيرين هل يغسل الشهيد كما يغسل الميت فيحدثهم حديث حجر، يعني أنه لا يُغسل بل يُدفن بثيابه؛ ولكن الشيخ فهم أن السؤال وجوابه تصوير لحجر عند المسلمين في صورة الشهيد. . .
ثم يقول إن أسرة هذا شأنها تتخذ القصاص لينشروا لها الدعوة،. فإن كان
هذا فكيف أمِن الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث فأرسله قائداً على أربعين ألفا
لمحاربة الترك؟ وكيف يمكن أن يقع هذا من مثل الحجاج إذا كان قُصاص هذه
الأسرة ينشرون لها الدعوة؟ ألا يدل صنيعُ ذلك الطاغية الحجاج على أن أولئك القصاص لم يكونوا قد خُلقوا بعد، إذ لم يخلقوا إلا في سنتنا هذه في رأس شيخنا هذا؟
قال العلامة الطاهوي: "ويحدثنا الرواة أنفسهم أن عبد الرحمن اتخذ
القصاص، وكان له قاص اسمه عمرو بن زر".
فسلوه من أين جاء بهذا ومن الذي حدثه به من الرواة؛ إنه رأى في
الطبري هذه العبارة.
قال أبو مخنف: حدثني غمرو بن زر القاص: أن أباه كان
معه هنالك (في بلاد الترك) وأن ابن محمد - عبد الرحمن - كان ضَرَبه وحبسه لانقطاعه إلى أخيه القاسم، فلما كان من أمره الذي كان من الخلاف - أي الانتقاض على الحجاج وخلع عبد الملك - دعاه وكساه وأعطاة. فأقبل فيمن أقبل؛ وكان قاصاً خطيباً! اهـ.
فالعبارة صريحة في أن عمراً هذا كان قاصاً، وأن أباه كان قاصاً خطيباً
وأنهما كانا في بلاد الترك يقاتلان كما يقاتل قراء المصرين البصرة والكوفة لأن هذا هو الجهاد في سبيل الله، حتى إن أقوى كتائب عبد الرحمن كانت كتيبة كل جندها من القراء وأن عبد الرحمن كان ضرب زراً وحبسه لانقطاعه إلى أخيه القاسم، فلما احتاج إلى المقاتلة دعاه فحمله، يعني فأركبه، وجعله من فرسانه لا من قصاصه، فمن أين يؤخذ أن عمرو بن زر أو زراً أبا عمرو كان قاصاً لابن الأشعث اتخذه وأجره ليصنع له ولأسرته الأخبار كقصة امرئ القيس، وبخاصة إذا علمنا أن الأب منهما ضُرب وحبس. . . .