ونفضل على كل هذه المائدة الخيالية بما حفلت به من لذائذها وألوانها، تلك

اللقيمات التي يفرضها نظام الزكاة في الإسلام فرضاً لا يتم الإسلام لأحد إلا به وعلى هذا فاعتبر

ولا يفوتن صاحبنا أن كثرة الآراء في هذا العصر وكثرة العقول المفكرة

والاستقلال الفكري التام. . . بلا قيد ولا شرط، ثم الرغبة في أن يكون لكل عقل أثر في الاجتماع، ولكل أثر دليل عليه، ولكل دليل اتباع - كل ذلك سينتهي إلى أن تكون علة الاجتماع الإنساني لا بُرءَ منها إلا بالقيود الإلهية التي تسمى " الأديان "، وها نحن أولاء نرى في أوروبا وأمريكا أن من الغفلة ما هو مذهب، ومن الرقاعة مذهب، ومن تسفل الشهوات مذهب، ومن الجنون مذهب، ومن كل شذوذ مذهب، ومن غير المذهب مذهب أيضاً..

تلك واحدة، والثانية: أنهم إن أرادوا بالمذهب الجديد أن يكتب

الكاتب في العربية منصرفاً إلى المعنى والغرض، تاركاً اللغة وشأنها، متعسفاً

فيها، آخذاً ما يتفق كما يتفق، وما يجري على قلمه كما يجري، معتبراً ذلك

اعتبار من يرى أن مخه بلا غلاف من عظام رأسه، وأن عظام رأسه كعظام

رجليه، وأن أصابع قدميه كأهداب عينيه، وأن مطلق التركيب هو مطلق النظام والمناسبة، وأن اللغة أداة ولا بأس بالأداة ما اتفق منها، ولا بأس أن يمزع الجراح مزعاً من جلد العليل بأسنانه أو بأظافره أو بنصل الفأس. . .

ما دامت معقمة. وما دام ذلك بعينه هو فعل المِبضَع لا يزيد المبضع عليه إلا في الدقة -

إن أرادوا بهذا أو أشباهه ما يسمونه المذهب الأدبي الجديد، قلنا: لا، ثم لا، ثم لا - ثلاث مرات!

فأما الأولى فإن خيراً من ترك الجاهل في جهله أن يُزجَر عن جهله.

وإذا كان مذهب الضعف أن لا يحمل عليه إلا بقدره وفي طاقته، فهل يجعل ذلك أصلاً للقوة؛ والضعف إن هو إلا استثناء منها، وقاعدة الاستثناء أن يُقيَّد بنصه ولا يُتوسع فيه. . .

ثم أيما خير لآدابنا وعلومنا وكتبنا: أن نحرص على الأصل الصحيح

القوي الذي في أيدينا ونحتمل فيه ضعف الضعفاء ونصبر على مدافعتهم عن

إفساده حتى ينشأ جيل أقوى من جيل وتخرج أمة خير من أمة فتجد الأصل

سليماً فتبني عليه وتزيد فيه، أم ندع الصلاح للفساد ونتراخى في القوة حتى

تحول ضعفاً فإذا جاء من بعدنا وجدَ الأصل فاسداً فزاده فساداً، ويعود مذهبنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015