عن أصبغ في هذه المسألة، فحكى عنه ابن عبد السلام أن شهادته لا تطرح إلا أن تثبت العداوة من قبل، ونقل المازري عنه ردها، وعللها بكون الشاهد أقر على نفسه بعداوة المشهود عليه، ونقل ابن سهل هذا عن ابن الماجشون، ونقل عن أصبغ أيضًا: أنها لا تبطل إذا كان ذلك منه على جهة الشكوى، لا على جهة طلب المخاصمة فتبطل إن كانت على جهة الخصومة (?)، ولما كان هذا النقل كالجامع بين النقلين، اعتمده الشيخ رَحِمَهُ اللهُ، (مخاصمًا) حال من الهاء في قوله (بعدها لا شَاكِيًا) كذلك (?).
قوله: (وَاعْتَمَدَ فِي إِعْسَارٍ بِصُحْبَة، وقَرِينَةِ صَبْرِ ضَرر الزَّوْجَيْنِ) يريد: أن الشاهد يعتمد في شهادة الإعسار على طول الصحبة، والقرينة القوية كصبر المشهود عليه على ضرر الجوع وألمه (?)، وتحمل مشاقه مما لا يكون إلا مع الفقر، وأما ضرر الزوجين فهو (?) وإن كان يمكن فيه القطع؛ لكونه من الجيران والأقارب إلا أنه نادر (?)، ولابن القاسم جوازه في الضرر (?) وبالسماع من الأهل والجيران.
قوله: (وَلا إِنْ حَرِصَ عَلَى إِزَالَةِ نَقْصٍ فِيما رُد فِيهِ بِفِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ) هذا هو المانع الرابع، وهو أن يحرص الشاهد على إزالة نقص حصل له من شهادة رد فيها بأن يكون شهد بها حال فسقه أو صباه أو رقه أو كفره فحكم القاضي بردها، ثم زال ذلك المانع عنه، فأداها ثانيًا، فإنها لا تقبل منه؛ لأنه يتهم أن يكون حرص على قبولها بعد ردها لما جبلت عليه الطبائع البشرية من الحرص على دفع المعرة، واحترز بقوله: (فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِفِسْقٍ) مما إذا شهد بها ولم ترد حتى زال المانع فإنها تقبل إذا أداها بعد زوال المانع، وقاله ابن القاسم، وهو قياس قول مالك وأصحابه، فلو قال القاضي: لا أجيز شهادة هؤلاء لما رفعت إليه فليس ذلك برد لها، وتقبل. بعد ذلك؛ لأنَّ كلامه فتيا لا حكم (?).