خشية الإهانة، ولأنهم لا يتوقون النجاسة فينال الصحف ما يُنزه عنه.
قوله: (وَسَفَرٌ بِهِ لأَرْضِهِمْ) أي: وكذا يحرم السفر بالمصحف لأرض المشركين لنهيه عليه السلام عن ذلك.
مالك: وذلك مخافة أن يناله العدو (?)، ولا فرق بين أن يسافر به مع جيش كثير آمن أم لا؛ بخلاف المرأة فإنه لا يحرم السفر بها إلى أرضهم في الجيش الكبير (?) الآمن، ولهذا قال: (كَمَرْأَةٍ إِلا فِي جَيْشٍ آمِنٍ) والفرق أن المصحف قد يسقط ولا يشعر به، والمرأة تنبّه على نفسها، ولأن النهي في المصحف عام، وقد صحَّ "أنه عليه السلام كان إذا أراد غزوًا (?) أقرع بين نسائه"، ولا إشكال أن الأمن معه عليه السلام موجود.
قوله: (وَفِرَارٌ إِنْ بَلَغَ المُسْلِمُونَ النِّصْفَ) أي: ومما يحرم أيضًا الفرار من العدو بالشروط التي يذكرها، ولا يجوز ذلك ولو فرَّ الإمام؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16]، وهذا وإن كان ظاهره حرمة الفرار مطلقًا سواء (?) قلوا أو كثروا فقد نسخه قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66]، فأباح الله تعالى الفرار إذا زاد عدد الكفار على الضعف (?)، ولهذا قيد تحريم الفرار بكون المسلمين نصف عددهم فصاعدًا، فلو قصر عدد المسلمين عن النصف جاز الفرار، وهو قول الجمهور، وقال عبد الملك: إنما يرجع ذلك إلى القوة والجلد فيلزم أن يثبتوا لأكثر من النصف (?) إذا كانوا أشد من الكفار سلاحًا وأكثر قوة وجلدًا، ولا يلزمهم أن يثبتوا لهم وإن كانوا أكثر من النصف إذا كان الكفار أشد منهم سلاحًا وأكثر قوة