الله -: "لا يؤمر ولا ينهى". وقال غيره: "لا يثاب ولا يعاقب"، وهما تفسيران صحيحان، فإن الثواب والعقاب مترتبان على الأمر والنّهي، والأمر والنّهي هو طلب العبادة وإرادتها. وحقيقة العبادة: امتثالها. ولهذا قال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} ، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاّ بِالْحَق} ، وقال تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ، فأخبر الله - تعالى - أنه خلق السّموات والأرض بالحق المتضمّن أمره ونهيه وثوابه وعقابه. فإذا كانت السّموات والأرض إنما خلقتا لهذا وهو غاية الخلق، فكيف يقال: إنه لا غاية له ولا حكمة مقصودة، أو إن ذلك بمجرّد استئجار العمّال حتى لا يتكدّر عليهم الثواب بالمنّة، أو لمجرّد استعداد النفوس للمعارف العقلية وارتياضها لمخالفة العوائد؟!.
وإذا تأمّل اللبيب الفرق بين هذه الأقوال، وبين ما دلّ عليه صريح الوحي؛ علم أن الله - تعالى - إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبّته، مع الخضوع له والانقياد لأمره.
فأصل العبادة: محبّة الله، بل إفراده تعالى بالمحبّة، فلا يحبّ معه سواه، وإنما يحبّ ما يحبّه لأجله وفيه، كما يحبّ أنبياءه