رَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْمُرَادُ بِهِ إعْتَاقٌ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ يَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ إلَى غَايَةِ الْعِتْقِ وَالشَّيْءُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فِي نَفْسِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ فَتَعَذَّرَ رَدُّهُ.
وَلِهَذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ كَالْإِعْتَاقِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَهُوَ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ مِلْكُهُ فَكَانَ كَالْعِتْقِ بِلَا عِوَضٍ وَالْكِتَابَةُ مِثْلُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا كَالْبَيْعِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ مَا دَامَ حَيًّا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مَوْهُومٌ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ فَإِذَا رَجَعَ رَدَّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ وَلَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَرُدُّهُ مَوْلَاهُ وَيَتَوَلَّاهُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَكَانَ حُقُوقُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَجَزَ وَاطَّلَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَتَوَلَّاهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ قَالَ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ قَتَلَهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) أَمَّا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الرَّدَّ امْتَنَعَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ مُنْتَفِعًا بِهَذَا الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ الضَّمَانَ مَعْنًى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ فَصَارَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَكُونُ إنْهَاءً لِلْمِلْكِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَوْ فَعَلَ فِيهِ نَحْوَهُ حَيْثُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْعَيْنُ قَائِمٌ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عَنْهُ عِوَضٌ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوع فَصَارَ نَظِيرَ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَقَتْلِ الْعَبْدِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ مَقْصُودٌ بِالشِّرَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الرَّدَّ مَتَى امْتَنَعَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي كَالْقَتْلِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَمَتَى امْتَنَعَ لَا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَتِهِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَالْهَلَاكِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ انْتَقَصَ أَوْ زَادَ زِيَادَةً مَانِعَةً مِنْ الرَّدِّ أَوْ الْإِعْتَاقِ أَوْ تَوَابِعِهِ كَالتَّدْبِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ بِلَا مَالٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا كَذَا نُقِلَ قَوْلُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَكَالْقَتْلِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ يَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ) أَيْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ لِلتَّمَلُّكِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمِلْكُ فِيهِ بِعَارِضِ الْكُفْرِ أَعْنِي أَنَّهُ وَقَعَ جَزَاءً لِلْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ إلَى غَيْرِهِ لَا مِنْهُ لِلْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ وَبِهَذَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي اهـ.
(قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ) أَعْنِي الرَّدَّ امْتَنَعَ بِتَعَلُّمِ الشَّرْعِ لَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ)؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةُ مِثْلُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ) أَيْ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَوْ كَانَ خَطَأً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَخَذَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِمَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا فَلَبِسَهُ فَتَمَزَّقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ خِلَافًا لَهُمَا وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الطَّعَامَ أَوْ الثَّوْبَ بِسَبَبٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَكْلَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ يُقْصَدُ الْمَبِيعُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَا اللُّبْسُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ يُقْصَدُ الْمَبِيعُ لِأَجْلِهِ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ الْعَيْنِ لِمَا طُلِبَ فِيهِ لِأَصْلِ التَّخْلِيقِ فَيَقَعُ الْهَلَاكُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَكُونُ كَالزَّائِلِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ كَالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ) فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ عِوَضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِهِ امْتَنَعَ) أَيْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ قَبْلَ التَّمْلِيكِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ زَادَ زِيَادَةً مَانِعَةً مِنْ الرَّدِّ أَوْ الْإِعْتَاقِ) مِثَالُ الِامْتِنَاعِ مِنْ جِهَتِهِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ اهـ