وَعَشْرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ أَنَّهَا سَنَتَانِ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَأَحْسَنَ دَعْوَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَأَلَ الْقَاضِي الْبَائِعَ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقِيَامِهِ فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَانَ لِلْبَائِعِ قَالَ فِي الْكَافِي لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ انْقِطَاعَهُ فَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ دُرُورُ الدَّمِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ وَاشْتُرِطَ لِثُبُوتِ الْعَيْبِ فِيهَا قَوْلُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ، وَقَالَ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حَيْثُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرُدُّ بِعَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ.
قَالَ (وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ)؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ يَدُلُّ عَلَى الدَّاءِ وَتُنْتَقَصُ بِسَبَبِهِ قِيمَتُهُ قَالَ (وَالدَّيْنُ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ يَكُونُ مَشْغُولًا بِهِ وَيُقَدَّمُ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَوْلَى قَالَ (وَالشَّعْرُ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ)؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ وَيُورِثَانِ الْعَمَى قَالَ (فَلَوْ حَدَثَ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ أَوْ رُدَّ بِرِضَا بَائِعِهِ) أَيْ لَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بِالرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا عَنْ الْعَيْبِ الثَّانِي وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِنُقْصَانٍ بَعْدَمَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ وَهُوَ امْتِنَاعُهُ مِنْ أَخْذِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ الثَّوْبَ قَمِيصًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ هُنَاكَ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الرِّبَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ وَهُنَا امْتَنَعَ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ.
وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً يُقَابِلُهَا وَتَصِيرُ مَقْصُودَةً بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً كَمَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَأَمَّا بِالْمَنْعِ حُكْمًا كَمَا إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ نَقَصَ أَوْ زَادَ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْفَائِتَ صَارَ حَقًّا لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا عَجَزَ صَارَ مَانِعًا لِذَلِكَ الْجُزْءِ حُكْمًا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ إنْ أَمْكَنَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْمَنْعِ حُكْمًا فَاعْتُبِرَ الْحُكْمِيُّ لِلضَّرُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يُقَوَّمَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهُوَ سَالِمٌ فَإِذَا عُرِفَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى إذَا كَانَ عُشْرَ الْقِيمَةِ مَثَلًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَثُلُثُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَيَرُدُّ مَعَهُ نُقْصَانَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْمُبْدَلِ كَرَدِّهِ فَصَارَ رَادًّا لِكُلِّ الْمَبِيعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي لِيَنْدَفِعَ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ وَبَعْدَمَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ لَوْ رَدَّ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عَنْهُ وَيَعُودُ إلَيْهِ مَعِيبًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَصْلًا.
ثُمَّ لَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْمَبِيعِ بِعَيْبِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالضَّرَرِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ عَلَى الْبَائِعِ إذَا رَضِيَ بِأَخْذِ الْمَعِيبِ وَلَا يُقَالُ مُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُشْتَرِي أَوْلَى عِنْدَ تَعَارُضِ الْحَقَّيْنِ لِمَا أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ عَلَيْهِ وَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَجِّحُ مُرَاعَاةَ حَقِّهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ مِنْهُ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُنَافِي عِصْمَةَ مَالِ الْعَاصِي، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ لَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ صُنْعِهِ.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ)؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ دَعْوَاهُ) أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ سَبَبَهُ وَهُوَ الدَّاءُ أَوْ الْحَبَلُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: مَشْغُولَةً بِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَشْغُولًا بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ) أَيْ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قُلْنَا بِتَعَذُّرِ الرَّدِّ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَلَمَّا رَضِيَ أَسْقَطَ حَقَّهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْعَصِيرِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْرَ وَيَرُدَّ الثَّمَنَ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ ثَمَّةَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا فَلَا يَقَعُ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي نُقْصَانَ الْعَصِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَصْلًا) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَيْ إلَى الرَّدِّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ مَعَ حُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَفِي عِبَارَةِ الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَيُصَارُ إلَيْهِ بِدُونِ قَوْلِهِ أَصْلًا وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْمُرَادِ أَيْ فَيُصَارُ إلَى الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ اهـ