كَقَطْعِ الْيَدِ فَإِنْ كَانَ يَرْتَفِعُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ ارْتَفَعَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَلْزَمُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ الْعَيْبِ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَمْتَنِعُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ كَمَا قَبَضَهُ وَالْهَلَاكُ لَا يُعَرَّى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ فَيَهْلَكُ بَعْد مَا انْبَرَمَ الْعَقْدُ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ الْعَيْبِ فِيهِ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ إذْ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَإِنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَلَوْ لَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ إنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ضَرُورَةً.
قَالَ (فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ بَقِيَ النِّكَاحُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ (فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا)؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِحُكْمِ النِّكَاحِ لَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ إذْ لَا يَمْلِكُهَا بِهَذَا الشِّرَاءِ إلَّا إذَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّبُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَمَا تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا فَيَكُونُ الْوَطْءُ بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَمَا إذَا اشْتَرَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ فَوَطِئَهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَظْهَرُ فِيهَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ وَلَهَا نَظَائِرُ مِنْهَا عِتْقُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ قَرِيبًا لَهُ وَمِنْهَا عِتْقُهُ إذَا كَانَ قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي حَقِّ تَصْحِيحِ الْجَزَاءِ لَا غَيْرَ حَتَّى لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَاهُ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ لَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَعِنْدَهُمَا يُجْتَزَأُ بِهِ لِوُجُودِهِ وَلَوْ رَجَعَتْ إلَى الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا ثُمَّ تَفَاسَخَا بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الْقَبْضِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَجِبُ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ إجْمَاعًا وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْ حُبْلَى مِنْهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَإِنْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّبُ بِالْوِلَادَةِ وَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا بَعْدَ التَّعَيُّبِ فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اشْتَرَى حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَقَبَضَهَا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَهَلَاكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ إنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ فَهُوَ هَلَاكٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ الْمِلْكِ.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَهُوَ هَلَاكٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ مِنْ مَالِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعَيْبِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ وُقُوعَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْإِيدَاعُ صَحِيحًا بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى بِالْخِيَارِ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَقِيَ خِيَارُهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ الرَّدُّ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمَلُّكِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يَمْلِكُ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا إذَا وُهِبَ لَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَبُولِ وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الْوُقُوعَ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ خُرُوجَ الثَّمَنِ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إبْرَاءٌ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ فَيَصِحُّ وَمِنْهَا مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا بِالرَّدِّ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَوْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بَاتٌّ فَإِنْ أَجَازَهُ صَارَ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ صَارَ الْخَمْرُ لِلْبَائِعِ وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْخَمْرَ حُكْمًا كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا كَانَ قَرِيبًا) أَيْ قَرَابَةً مَحْرَمَةً عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا عِتْقُهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِسَبَبِ الْخِيَارِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَعِنْدَهُمَا وُجِدَ فَعَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته) أَيْ حَيْثُ يُعْتَقُ اتِّفَاقًا اهـ.
(قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) أَيْ فَعِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي عَادَتْ) لَا يَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ وَإِنْ فُسِخَ إلَخْ يُغْنِي عَنْهُ اهـ.