وَالْفَقِيرِ تَعَلَّقَ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَأَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ تَامٌّ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّحْقِيقِ كَبِعْتُ أَوْ اشْتَرَيْت أَوْ رَضِيت أَوْ أَعْطَيْتُك أَوْ خُذْهُ بِكَذَا وَالْإِرْسَالُ وَالْكِتَابُ كَالْخِطَابِ حَتَّى يُعْتَبَرَ مَجْلِسُ أَدَائِهِمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ وَإِنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَةَ بِعْت مَعَ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِكَذَا أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِكَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتَعَدَّدُ بِتَكْرَارِ لَفْظَةِ بِعْت عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْقَبْضِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ بِإِيفَاءِ ثَمَنِ الْبَعْضِ أَوْ إبْرَائِهِ أَوْ تَأْجِيلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَعَاطٍ) أَيْ يَلْزَمُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ خَسِيسًا أَوْ نَفِيسًا، وَزَعَمَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي شَيْءٍ خَسِيسٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي النَّفِيسِ لِعَدَمِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ الرِّضَا لَا بِصُورَةِ اللَّفْظِ وَقَدْ وُجِدَ التَّرَاضِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَتِمُّ بِهِ بَيْعُ التَّعَاطِي قِيلَ يَتِمُّ بِالدَّفْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ ثُمَّ قَامَ أَحَدُهُمَا الْمُوجِبُ أَوْ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالرُّجُوعِ فَيَبْطُلُ بِهِ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُبَادَلَةِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَبْطُلَ بِقِيَامِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِمَا وَالْقَبُولُ شَرْطٌ وَالْأَيْمَانُ لَا تَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِيَارُ الْقَبُولِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ بَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَنَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَوِّي وَالْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ فَجَعَلَ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ هُوَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْحَرَجُ وَفِيمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَرَجٌ بَيِّنٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا».

وَقَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ غَيْرِ مُشَارٍ)؛ لِأَنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّحْقِيقِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِأَنْ يَكُونَا بِلَفْظِ الْمَاضِي إذَا لَمْ يُوجَدْ نِيَّةُ الْحَالِ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِذَا وُجِدَتْ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ عَقْدُ الْبَيْعِ تَارَةً يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ وَتَارَةً يَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ، فَأَمَّا الَّذِي يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ أَمَّا الْمَاضِي فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْآخَرُ: أَخَذْت أَوْ قَبِلْت تَمَّ الْبَيْعُ وَلَوْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ قَالَ هُوَ لَك تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِلَفْظَيْنِ، وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَبِيعُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَرَادَ بِهِ إيجَابَ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت أَوْ اشْتَرَيْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الَّذِي يَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بِعْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى سَبِيلِ السُّؤَالِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَتَبِيعُ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا اشْتَرَيْتُ إلَى هُنَا لَفْظُ رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ خُذْهُ بِكَذَا.) قَالَ الْكَمَالُ، وَكَذَا لَفْظُ خُذْهُ بِكَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ إذَا قَبِلَ بِأَنْ قَالَ أَخَذْته وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَكِنَّ خُصُوصَ مَادَّتِهِ أَعْنِي الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ يَسْتَدْعِي سَابِقُهُ الْبَيْعَ فَكَانَ كَالْمَاضِي إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي سَبَقَ الْبَيْعَ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَاسْتِدْعَاءَ خُذْهُ سَبَقَهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ وَيَثْبُتُ اشْتَرَيْتُ اقْتِضَاءً، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ بِلَا فَاءٍ لَا يُعْتَقُ اهـ كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يُعْتَبَرَ مَجْلِسُ أَدَائِهِمَا) أَيْ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَمَا كَتَبَ وَبَعْدَمَا أَرْسَلَ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ عَلِمَ الرَّسُولُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا عُزِلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: يَلْزَمُ بِالتَّعَاطِي) أَيْ وَهُوَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ خَسِيسًا أَوْ نَفِيسًا) قِيلَ النَّفِيسُ نِصَابُ السَّرِقَةِ فَصَاعِدًا وَالْخَسِيسُ مَا دُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي شَيْءٍ خَسِيسٍ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَرَادَ بِالْخَسِيسِ الْأَشْيَاءَ الْمُحَقَّرَةَ كَالْبَقْلِ وَالرَّغِيفِ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ اسْتِحْسَانًا لِلْعَادَةِ قَالَ أَبُو مُعَاذٍ رَأَيْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ جَاءَ إلَى صَاحِبِ الرُّمَّانِ فَوَضَعَ عِنْدَهُ فَلْسًا وَأَخَذَ رُمَّانَةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَمَضَى. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنَّ لِلْمَجْلِسِ أَثَرًا فِي جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَبِالْقِيَامِ لَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَا يَنْعَقِدُ وَاخْتِلَافُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ وَنَحْوِهِ، أَمَّا لَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَذْهَبْ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى جَمْعٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قَامَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إذَا قَامَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَذْهَبْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ قَبِلَ الْمُشْتَرِي صَحَّ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015