الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ شَرْعًا وَفَسَدَ صَوْمُهُ بِأَكْلِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ وَالْحَجْرُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُفْرٌ وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالشَّارِعِ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَجَاةٌ سَرْمَدِيَّةٌ وَسَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ هِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَلَا يُبَالِي بِشَوْبِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحُكْمُ الْمَوْضُوعُ لَهُ لَا مَا يَلْزَمُهُ فِي ضِمْنِهِ وَقَوْلُهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إلَخْ قُلْنَا إنَّمَا جُعِلَ تَبَعًا لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ وَفِي اعْتِبَارِ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مَعَ إبْقَاءِ التَّبَعِيَّةِ تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِطَرِيقَيْنِ وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ وَأَمَّا إذَا تَأَيَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّبَعَ إذَا نَوَى السَّفَرَ كَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا صَارَ مُسَافِرًا بِنِيَّتِهِ وَبِنِيَّةِ أَصْلِهِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فَرْضًا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِيمَانِ نَفْلًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ.
فَإِذَا صَارَ فَرْضًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا وَلَا قَائِلَ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَصْحِيحُهُ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْأَصْلِ مُغْنِيَةٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي التَّبَعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْلُهُ مُعْتَبَرًا لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَصِفَ الْإِسْلَامَ كَالْبَالِغِ قُلْنَا إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَإِذَا أَدَّاهُ صَحَّ كَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ يُؤَدِّي الْجُمُعَةَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَتَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْوَصْفَ بَعْدَمَا عَقَلَ لِبَقَاءِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ وَفِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ يَعْنِي إذَا أَبَى أَنْ يُسْلِمَ بَعْدَمَا ارْتَدَّ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْإِسْلَامِ نَفْعٌ لَهُ فَيُجْبَرُ هَذَا فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا السَّكْرَانُ فِي الرِّدَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ بِالْمُرْتَدِّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى: السَّاحِرُ هَلْ يُقْتَلُ أَوْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ يُنْظَرُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَالِقٌ لِمَا يَفْعَلُ فَإِنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَبَرَّأَ عَمَّا اعْتَقَدَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَسْلَمَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أَتْرُكُ السِّحْرَ وَأَتُوبُ مِنْهُ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ الْآنَ سَاحِرٌ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ السَّاحِرَةُ تُقْتَلُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى نُوَّابِهِ أَنْ اُقْتُلُوا السَّاحِرَ وَالسَّاحِرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ
وَعَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قُلْنَا: الْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ ضَرَرَ كُفْرِهَا وَهُوَ السِّحْرُ يَتَعَدَّى فَتَكُونُ سَاعِيَةً فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(بَابُ الْبُغَاةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَمَّا جُعِلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ حُكْمًا تَبَعًا لَهُمَا فَلَأَنْ يُجْعَلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْلَى وَأَحْرَى وَالْأَحْكَامُ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ فَوْزُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ ثُمَّ إذَا تَرَتَّبَتْ الْأَحْكَامُ عَلَيْهَا لَا يُبَالِي بِهَا لِأَنَّهَا حَصَلَتْ ضِمْنًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ اهـ (فَرْعٌ) رَجُلٌ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ قَالَهُ قَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ رَجُلٌ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ تَرَكَهَا فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَضَى مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ وَمَا أَدَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ فِي إسْلَامِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ تَبْطُلُ طَاعَتُهُ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ إلَخْ) السِّحْرُ قَوْلٌ يُعَظِّمُ فِيهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى تُنْسَبُ إلَيْهِ التَّقْدِيرَاتُ وَالتَّأْثِيرَاتُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ إلَخْ) قَالُوا لَوْ جَاءَ الزِّنْدِيقُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَقَرَّ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ فَتَابَ عَنْ ذَلِكَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُمْ بَاطِنِيَّةٌ يُظْهِرُونِ شَيْئًا وَيَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيُقْتَلُونَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ كَذَا فِي سِيَرِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكِفَايَةِ. اهـ.
[بَابُ الْبُغَاةِ]
(بَابُ الْبُغَاةِ) قَدَّمَ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ بَغَيْت كَذَا أَيْ طَلَبْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64]. ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَأْخِيرُ هَذَا الْبَابِ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبُغَاةِ الْخَوَارِجُ وَلِهَذَا وُسِمَ هَذَا الْبَابُ فِي الْمَبْسُوطِ بِبَابِ الْخَوَارِجِ قَالَ فِي فَصْلِ الْأُسْرُوشَنِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأَهْلُ الْبَغْيِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ