مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ حُكْمَ الِالْتِحَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ وَمَاتَ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ كَامِلَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا تَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ مُعْتَبَرَةً وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ مَعْنًى لَوْ مَاتَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ عَلَيْهَا فَصَارَ كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاطِعِ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ أَهْدَرَ دَمَهُ فَصَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَنْ ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ فَتُوجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَصَارَ كَاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالَةِ الْيَمِينِ وَحَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَكَاشْتِرَاطِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَتَمَامِهِ وَالرِّدَّةُ لَيْسَتْ بِإِبْرَاءٍ عَنْ الْجِنَايَةِ وَضْعًا وَلَا شَرْعًا بَلْ هِيَ لِتَبْدِيلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُوجَدُ مِنْ غَيْرِ إبْرَاءٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِكَوْنِ دَمِهِ هَدَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِقَطْعِ مِلْكِهِ وَالضَّمَانُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَإِذَا قَطَعَ الْأَصْلَ قَصْدًا فَقَدْ قَطَعَ الْبَدَلَ أَيْضًا فَصَارَ كَالْإِبْرَاءِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ فَمُكَاتَبَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمَوْلَى عَنْ رَقَبَتِهِ بِالرِّدَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا وَبِإِبَاحَةِ دَمِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَالِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ فَبِالْحُكْمِيِّ أَوْلَى أَنْ لَا تَبْطُلَ فَبَقِيَ مِلْكُهُ لِمَالِكِهِ وَالتَّصَرُّفُ عَلَى حَالِهِ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالتَّصَرُّفَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى فِي الْمَنْعِ مِنْ الرِّدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَمْلِكُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْضُهَا فِيهَا الْخِلَافُ فَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً يُوَفَّى الْمَوْلَى كِتَابَتَهُ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّ كَسْبَهُ كَسْبُ مُرْتَدٍّ حُرٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا عَلَى مَذْهَبِهِ قُلْنَا حُكْمُنَا بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُرِّيَّةُ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمِلْكُ كَسْبِهِ رَقَبَةً وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ عَبْدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ فَكَذَا لَا يَكُونُ كَسْبُهُ فَيْئًا لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَلَا يُجْعَلُ حُرًّا فِي حَقِّهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَوَلَدَتْ الْمَرْأَةُ هُنَاكَ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَوَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا فَيْءٌ وَيُجْبَرُ وَلَدُهُمَا عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ وَلَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ فَكَذَا وَلَدُهَا وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ الْآبَاءَ فِي الدِّينِ لِقَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْ الْقَطْعِ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهُ يَعْنِي حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ عِنْدَ إيجَابِهِ كَانَ مُسْلِمًا وَجِنَايَةُ الْمُسْلِمِ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ قَتْلًا فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ حَالَ الرِّدَّةِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَحَدٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ) أَيْ بَعْدَ الِارْتِدَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَاتَ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ الدِّيَةَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ) أَيْ قِيَاسًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْدَ الِارْتِدَادِ بِحَالٍ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَصَارَتْ الرِّدَّةُ مُهْدِرَةً لِمَا تُوَلِّدُ مِنْ الْقَطْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ) أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ مُسْلِمًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأُخِذَ بِمَالِهِ) أَيْ أَسِيرًا وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ عِنْدَهُمَا مِيرَاثٌ فَكَذَا كَسْبُ الْمُكَاتَبِ وَيُشْكِلُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ فَيْءٌ عِنْدَهُ فَكَيْفَ كَانَ كَسْبُ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَحَلُّهُ أَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ لَمْ تُمْلَكْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ فَكَانَتْ فَيْئًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَوْقُوفَةٍ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ فَكَذَا لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَاللَّحَاقُ فَصَحَّتْ أَكْسَابُهُ فَكَانَتْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ كَأَكْسَابِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ لِمَوْتِهِ حُرًّا لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ بَعْدَ الْتِحَاقِهِمَا أَمَّا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَذَهَبَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِوَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدُ فَيْءٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ صَارَ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ يَصِيرُ فَيْئًا بِالسَّبْيِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا لِأَنَّ الْوَلَدَ بَقِيَ مُسْلِمًا فَلَا يَصِيرُ فَيْئًا فَيُدْفَعُ إلَى الْأُمِّ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ قَدْ مَاتَتْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ إسْلَامَ الْأُمِّ لَا يُرْفَعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَتَقَرَّرُ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ) أَيْ وَالزَّوْجُ