أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْهَا لِكَوْنِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَهَا وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَهَذَا فَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبِكَوْنِهَا نَصْرَانِيَّةً لِأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً يَرِثُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الرِّدَّةِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلدَّارِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ إذَا ارْتَدَّ أَبَوَاهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا إذْ هِيَ خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا فِيهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ فَيْءٌ) يَعْنِي لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ حَيْثُ أَلْحَقَهُ مَعَهُ ابْتِدَاءً فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ بِاللَّحَاقِ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا إذَا وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ لَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ وَكَذَا إنْ أَخْرَجَهُ تَاجِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا تَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَجَعَ وَذَهَبَ بِمَالِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ) يَعْنِي لِوَارِثِهِ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَلَكَتْهُ الْوَرَثَةُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَبَعْدَهَا أَوْ مِنْ التَّاجِرِ بِالْعِوَضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمُرَادُهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ وَأَخَذَ مَالَهُ وَلَحِقَ ثَانِيًا فَلَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ جَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ يَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَتَى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا ظَاهِرًا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ هُنَا وَقَالَ فِي الْكَافِي الْقَضَاءُ مُرَجِّحٌ جَانِبَ عَدَمِ الرُّجُوعِ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ وَلَمَّا خَرَجَ إلَيْنَا مُعْتَزًّا وَرَجَعَ بِمَالِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ مِنْ حِينِ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا) أَيْ لَا مِنْ الْمُرْتَدِّ وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ) أَيْ وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) أَيْ يَبْقَى عَلَى إسْلَامِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَقَدْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْأَبَوَانِ الْمُسْلِمَانِ وَلَهُمَا وَلَدٌ طِفْلٌ وُلِدَ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ بَلْ هُوَ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ رِدَّتِهِمَا اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَصْلًا فَجُعِلَ تَبَعًا لِأَبِيهِ الْمُرْتَدِّ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ فَيْءٌ) أَيْ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَإِنْ قُلْت الْمَالُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَنَفْسُ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ كَذَلِكَ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى النَّفْسِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَيَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ رَجَعَ) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذَهَبَ بِمَالِهِ) أَيْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا وَجَدُوهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَهُمْ بِالْقِيمَةِ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ بِالْمِثْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ يَأْخُذُ الْعَدُوُّ مَالَهُ ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا لَا يُشْكِلُ إلَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَجَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي رَدِّ الْمَالِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ حُكْمَ الرَّدِّ عَلَى مُطْلَقِ اللَّحَاقِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِاللَّحَاقِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَتَى لَحِقَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ وَقَالَ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ فَيَكُونُ فَيْئًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مِنْ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِلُحُوقِهِ فَقَدْ صَارَ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ حَتَّى رَجَعَ وَأَخَذَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الَّذِي ذَهَبَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ مُجَرَّدَ اللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ اللَّحَاقِ وَلَا يَجْعَلُ أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ كَالْمَوْتِ بَلْ يُجْعَلُ الْقَضَاءُ بِاللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْقَضَاءِ لَا عِنْدَ اللَّحَاقِ. اهـ.