وَالْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَا عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ وَالتَّغْلِبِيُّ لَا يُوضَعَانِ عَلَيْهِمَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُضَاعَفُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلِهَذَا حُرِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ بِالْمَوْلَى هُنَا كَانَ تَخْفِيفًا إذْ التَّضْعِيفُ أَخَفُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ وَالْمَوْلَى لَا يُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا وَلَوْ لَحِقَهُ فِيهِ لَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهَا بِالْهَاشِمِيِّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُلْحَقَ الْمَوْلَى بِأَصْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ مَوْلَى الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا، أَنْتَ مَوْلَانَا وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَمَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ قَرَابَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفَضِيلَةِ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْغَنِيِّ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ إذْ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ الْكَرَامَةِ أَوْ لِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لَأَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ غِنَاهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ بِلَا قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَةُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يُعْطُوا لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَيُعْطُونَ كِفَايَتَهُمْ كَيْ لَا يَشْتَغِلُوا بِهَا عَنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُخَمِّسْ الْجِزْيَةَ وَلِأَنَّهُ مَالٌ أُخِذَ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا قِتَالٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالْقَهْرِ وَالْقِتَالِ فَشَرْعُ الْخُمُسِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِهِ فِي الْآخِرِ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلُ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا يَجِيءُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَصْرِفِهِ وَالثَّانِي الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهَا مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَهُمْ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالثَّالِثُ خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَاتُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهَا اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطُونَ مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَتُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَتُعْقَلُ بِهِ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفُهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ فِي الْمُسْتَقْرَضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ) يَعْنِي وَمَنْ مَاتَ مِمَّنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْقُضَاةِ وَالْغُزَاةِ وَنَحْوِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعَطَاءِ شَيْئًا وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ وَلَهَا نَفَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَاسْمُ الْعَطَاءِ يُنْبِئُ عَنْ الصِّلَةِ وَإِنَّمَا قَالَ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ يُسْتَحَبُّ صَرْفُهُ إلَى قَرِيبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى عَنَاءَهُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْوَفَاءِ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ قِيلَ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ يَرْجِعُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَهُمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْهِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ مَوْلًى نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ إنَّهُ وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِالْإِسْلَامِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِوَصْفِ التَّغْلِبِيَّةِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ) أَيْ عَلَى الْهَاشِمِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ مِنْهَا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ) أَيْ وَأَمَّا الْمُدَرِّسُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ أَوْ عُزِلَ وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً فَإِنَّهُ لَا يُحْرَمُ نَصَّ عَلَيْهِ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ) أَيْ أَوْ مَاتَ. اهـ.