رِجَالِهِمْ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَرَقَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَكُفْرُ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ وَذَرَارِيُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تُجْبَرُ نِسَاءُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَذَرَارِيِّهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) أَيْ لَا تُوضَعُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَعُقُوبَةٌ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ النُّصْرَةُ بِالْقِتَالِ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ لَا تُوضَعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ إذْ الْإِمَامُ يَخْرُجُ فِي تَعَرُّفِ حَالِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ يُوضَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ) أَيْ الْجِزْيَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعِوَضُ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِالْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ وَلَا تَبْقَى الْعُقُوبَةُ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُقِيمُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ قَدَرَ بِالْإِسْلَامِ عَلَى النُّصْرَةِ بِبَدَنِهِ فَلَا يَجِبُ عِوَضُهَا وَبِالْمَوْتِ عَجَزَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجِبُ الْخَلَفُ إذْ شَرْطُهُ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ بَدَلِهِمَا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا إنَّ نِسَاءَ الْمُرْتَدِّينَ وَصِبْيَانَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَفْسِيرُهُ الْحَبْسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّينَ أَمَّا صِبْيَانُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ حَيْثُ تُجْبَرُ آبَاؤُهُمْ وَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرْنَ لِسَبْقِ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ بِخِلَافِ نِسَاءِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَصِبْيَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا جَبْرَ عَلَى آبَائِهِمْ فَكَذَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ وَكَذَا عَلَى نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُنَّ الْإِسْلَامُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُكَاتَبٍ) أَيْ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ) أَيْ وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا إلَخْ) وَهَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ عَمِيَ أَوْ صَارَ مُقْعَدًا أَوْ زَمِنًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ صَارَ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَسْقُطُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ) أَيْ الَّتِي تَثْبُتُ لِلذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَنْ السُّكْنَى) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لَهُ آخَرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ) أَيْ وَهُوَ حَقْنُ دَمِهِ وَسُكْنَاهُ إلَى الْمَوْتِ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) أَيْ فِيمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ بَدَلًا عَنْ السُّكْنَى تَكُونُ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامُ كَالْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ تَكُونُ فِي مَعْنَى بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ) فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ اسْتَعَانَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ سَنَةً فَقَاتَلُوا مَعَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ تِلْكَ السَّنَةِ فَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَسَقَطَتْ قُلْت إنَّمَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَغَيُّرُ الْمَشْرُوعِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ طَرِيقَ النُّصْرَةِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ الْمَالَ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ قُلْت الْجِزْيَةُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ عَلَى كُفْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْإِسْلَامِ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ قُلْت خَرَاجُ الرَّأْسِ فِيهِ صَغَارٌ بِالنَّصِّ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صَغَارٌ وَلِهَذَا يُؤْخَذُ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ لِلْمُسْلِمِ فَافْتَرَقَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ (قَوْلُهُ وَالْعِصْمَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ السُّكْنَى بَيَانُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومًا مَحْقُونَ الدَّمِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْقِيَامُ بِأُمُورِ التَّكْلِيفِ إلَّا بِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَإِنَّمَا بَطَلَتْ عِصْمَتُهُ بِعَارِضِ الْكُفْرِ ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ عَادَتْ الْعِصْمَةُ فَصَارَتْ الْعِصْمَةُ بَدَلًا بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ وَالذِّمِّيُّ يَمْلِكُ مَوْضِعَ السُّكْنَى بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَوْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ أُجْرَةً كَانَ وُجُوبُهَا بِالْإِجَارَةِ لَا مَحَالَةَ وَالْإِجَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ يُبْطِلُهَا وَحَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّأْقِيتُ فِي السُّكْنَى دَلَّ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَا كَانَ بِسَبِيلِ الْأُجْرَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ» قَالَ أَبُو دَاوُد سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَبِاللَّفْظِ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ» وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَابُوسًا وَلَيْسَ قَابُوسٌ فِي سَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ فَهَذَا لِعُمُومِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا كَانَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ بَلْ هُوَ الْمُرَادُ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْفَائِدَةِ إذْ عَدَمُ الْجِزْيَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَالْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْفَائِدَةِ لَيْسَ كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِهَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَهَذَا يَخُصُّ السُّقُوطَ بِالْإِسْلَامِ وَالْوَجْهُ يَعُمُّ مَوْتَهُ وَإِسْلَامَهُ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ