(بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دَخَلَ تَاجِرُنَا ثَمَّةَ حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ مِنْهُمْ) أَيْ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانِ مُسْلِمٌ تَاجِرٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْغَدْرِ» عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ أَوْ الْجَيْشُ أَوْ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِهِ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ حِينَئِذٍ كَالْأَسِيرِ وَالْمُتَلَصِّصِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَقَتْلُ نُفُوسِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ فُرُوجَهُمْ فَإِنَّ الْفُرُوجَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ وَلَمْ يَطَأْهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ لِأَنَّهُنَّ لَا يَمْلِكُهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَهُنَّ بَاقِيَاتٌ عَلَى مِلْكِهِ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إنْ وَطِئُوهُنَّ يَكُونُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِنَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ بِخِلَافِ أَمَتِهِ الْمَأْسُورَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الْحَرْبِيُّ لِأَنَّهَا مَلَكُوهَا فَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا بِشَيْءٍ إنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ وَلَمْ يُنْتَقَضْ الْأَمَانُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِزَوْجَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَخْرَجَ شَيْئًا مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا) (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) يَعْنِي لَوْ غَدَرَهُمْ وَأَخَذَ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَالْحَظْرُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ كَالِاصْطِيَادِ بِقَوْسٍ مَغْصُوبٍ غَيْرَ أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَخَرَجَا إلَيْنَا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ) أَيْ التَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ إذَا أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَيْ بَاعَهُ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَخَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَحَاكَمَا عِنْدَ حَاكِمٍ لَمْ يَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَيَعْتَمِدُهَا وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا إذْ لَا قُدْرَةَ لِلْقَاضِي فِيهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْغَصْبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ سَبَبٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَصَارَ كَالْإِدَانَةِ فَإِذَا مَلَكَهُ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ بِالْحُكْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ]
ِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ قَهْرًا وَغَلَبَةً شَرَعَ فِي بَابِ الِاسْتِئْمَانِ لِأَنَّ طَلَبَ الْأَمَانِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ قَهْرٌ وَقَدَّمَ اسْتِئْمَانَ الْمُسْلِمِ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ مِنْهُمْ) أَيْ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مَكَّنُوهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ بَعْدَ الِاسْتِئْمَانِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِذَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ كَانَ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ لِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً أَوْصَى صَاحِبَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اُغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» الْحَدِيثُ فِيهِ طُولٌ وَرَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ غَدَرَ التَّاجِرُ بِهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَأَحْرَزَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهَا مِلْكًا مَحْظُورًا إلَّا أَنَّ الْمَحْظُورَ لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْمِلْكِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَقَدْ شَرَطَ بِالِاسْتِئْمَانِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَهُ غَدْرٌ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ) أَيْ بِالتُّجَّارِ مَلِكُ أَهْلِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ) أَيْ هُمْ الَّذِينَ يَعْنِي الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ حِينَئِذٍ كَالْأَسِيرِ) قَالَ فِي الْكَافِي بِخِلَافِ الْأَسِيرِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمِنٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِالْتِزَامُ بِعَقْدٍ أَوْ عَهْدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْحَظْرُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ) يَعْنِي أَنَّ مَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْحَظْرُ جَاءَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَمَانُ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ) الْإِدَانَةُ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ وَالِاسْتِدَانَةُ الِابْتِيَاعُ بِالدَّيْنِ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا) أَيْ لَا عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَلَمَّا انْتَفَتْ الْوِلَايَةُ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ بِدُونِ الْوِلَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَكِنَّهُ يُفْتِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقْضِيَ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا مَا نَصُّهُ الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي حَقِّ حُكْمٍ يُبَاشِرُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لَا يَقْضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ غَصْبَ أَحَدِهِمَا مَالَ صَاحِبِهِ صَادَفَ مَالًا لَا عِصْمَةَ لَهُ فِي حَقِّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَإِذَا اسْتَوْلَى أَحَدُهُمَا عَلَى مَالِ الْآخَرِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَأْمِنَ لَمَّا غَصَبَ مَالَهُمْ صَارَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ لِأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ طِيبَةِ أَنْفُسِهِمْ فَيُؤْمَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهُ لِيَرْتَفِعَ الْغَدْرُ اهـ