فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَالثَّمَنُ» اسْمٌ لِجَمِيعِهِ فَلَا يُنْقَصُ وَلَا يَأْخُذُ الْمَوْلَى الْقَدِيمُ الْأَرْشَ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ صَحِيحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَلَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِذَلِكَ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مَالًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ أَوْ هِبَةٍ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَبْلَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فَيُنْقَضُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(فَإِنْ تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ أَخَذَهُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ ثُمَّ الْقَدِيمُ بِالثَّمَنَيْنِ) مَعْنَاهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّجُلِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ تَاجِرٌ فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ثَانِيًا فَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِثَمَنِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ الْأَسْرَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ خِيَارُ الْأَخْذِ لَهُ ثُمَّ إذَا أَخَذَهُ هُوَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ الْحَرْبِيِّ اشْتَرَاهُ بِهِ الثَّانِي مِنْ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسْرَ الثَّانِي لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا وَهُوَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ التَّاجِرِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَبَتَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعُدْ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ الْجَدِيدِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ) يَعْنِي بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ إلَّا فِي مَحَلِّهِ وَهَؤُلَاءِ مِنَّا لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلْمِلْكِ هُوَ الْمَالُ وَهُمْ لَيْسُوا بِمَالٍ إذْ الْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَدَّ إلَيْهِمْ جَمَلٌ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ أَحَدٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَغْنُومًا أَوْ مُشْتَرٍ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُونَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَوْلَى ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْضِ كُرْهًا لَحِقَ الشَّرْعِ. اهـ. كَافِي
(قَوْلُهُ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي) أَيْ فَلَا يَحُطُّ مِنْ ذَلِكَ صِيَانَةً لَحِقَهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا) أَيْ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ حَضْرَتِهِ. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَخَذَهُ لَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ هَؤُلَاءِ بِلَا شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا وَكَذَا إنْ اشْتَرَى رَجُلٌ وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى بِلَا شَيْءٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِالْمِيرَاثِ يُمْلَكُ بِالْأَسْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا إذَا اتَّصَلَ بِالْمَحَلِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ فَلَمْ يَتَّصِلْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرَّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنَّ نَتَمَلَّكَهُمْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ أَيْ فِيمَنْ سِوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يُقَالُ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ نَمْلِكُ جَمِيعَهُمْ حُرًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكُوا أَيْضًا عَلَيْنَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ الْقِنِّ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا جَازَ تَمَلُّكُنَا عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُنَا عَلَى أَحْرَارِنَا وَمُدَبَّرِينَا وَمُكَاتَبِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا بِالْعُقُودِ فَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُمْ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ نَدَا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ نَدَا الْبَعِيرُ نَدًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنِدَادًا بِالْكَسْرِ وَنَدِيدًا ذَهَبَ وَنَفَرَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا فَهُوَ نَادٍ وَالْجَمْعُ نَوَادٍ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ وَمَعْنَى الْيَدِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْحِفْظِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَ مَا وَهَبَ لَهُ تَتِمُّ الْهِبَةُ وَإِذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى حَبْسَهُ بِالثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِظُهُورِ يَدِ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِذَا زَالَتْ يَدُ سَيِّدِهِ بِانْفِصَالِهِ عَنْ دَارِنَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَرَفَعَتْ يَدُهُ ثُبُوتَ يَدِ الْكَفَرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيلَاءُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُسْلِمُ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِمُسْلِمٍ هَذَا قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَبَقَ مَا نَصُّهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَقَتَلَ فِي لُغَةٍ وَالْأَكْثَرُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ قِنٍّ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِنُّ الرَّقِيقُ يُطْلَقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ عَبْدُ قِنٌّ وَأَمَةُ قِنٌّ وَعَبِيدُ قِنٍّ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ أَيْضًا وَرُبَّمَا يُجْمَعُ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَهُوَ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبُوهُ وَأَمَّا مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَيَسْتَعْبِدُ فَهُوَ عَبْدُ مَمْلَكَةٍ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْقِنُّ مِنْ الْعَبِيدِ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَقَدْ جَاءَ قِنَانٍ وَأَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَأَمَّا أَمَةٌ قِنَّةٌ فَلَمْ أَسْمَعْهُ وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَبْدٌ قِنٌّ أَيْ خَالِصُ الْعُبُودَةِ وَعَلَى ذَا صَحَّ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ خِلَافَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ) لَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ فَيَمْلِكُونَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُونَ الْآبِقَ الْمُتَرَدِّدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَحْرَزَ وَهُمَا بِدَارِهِمْ