(وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ فَيَحْرُمُ وَكَذَا الْكُرَاعُ وَالْحَدِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ أَصْلُ السِّلَاحِ وَكَذَا بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ وَكَذَا الرَّقِيقُ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ مَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ يُمْنَعُ الْمُسْتَأْمِنُ مِنْهُمْ أَيْضًا أَنْ يَدْخُلَ بِهِ دَارَهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ خَرَجَ هُوَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَإِنْ بَادَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا بِجِنْسِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا مِنْهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ اشْتَرَى غَيْرَهُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ الطَّعَامِ وَالْقُمَاشِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يُمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلَمْ نَقْتُلْ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ) لِأَنَّ أَمَانَ وَاحِدٍ حُرٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ الذِّمَّةُ الْعُهْدَةُ وَأَدْنَاهُمْ أَيْ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الْعَهْدَ الْمُؤَبَّدَ وَالْمُؤَقَّتُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ» أَيْ تُجِيرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَجَازَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ بِمَالِهِ مِنْ أَهْلِ مَنَعَةِ الْإِسْلَامِ فَيَخَافُونَهُ فَيَنْفُذُ أَمَانُهُ فِي حَقِّهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزِّي لِكَوْنِ سَبَبِهِ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَصَارَ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ الْقَتْلِ وَحُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَالِاسْتِغْنَامِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ فِي بَعْضِ شَخْصٍ دُونَ بَعْضِهِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ لَا يَثْبُتُ إلَّا كَامِلًا فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْكُلِّ فَيَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْكُلِّ وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ حُرًّا لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ فَلَا يَخَافُهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْأَمْنُ مِنْهُ حَتَّى يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَنَبَذَ لَوْ شَرًّا) أَيْ نَبَذَ الْإِمَامُ أَمَانَ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ شَرًّا رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتِرَازًا عَنْ الْغَدْرِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِانْفِرَادِهِ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فَيُعْذَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الْأَمَانِ أَيْضًا وَهُوَ الْإِيمَانُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِرَأْيِ الْمُسْلِمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَكُونُ مِنْ الْخَوْفِ وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَتَحَصَّنُوا بِأَمَانِهِ كُلَّمَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْفَتْحِ وَكَذَا أَمَانُ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّنَهُمْ لَا يَصْلُحُ أَمَانُهُ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِمَنَعَتِهِمْ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أَمَّنَهُمْ مَنْ يُقَاوِمُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَّنَ عِشْرِينَ أَوْ نَحْوَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ وَإِنْ كَانَ مَقْهُورًا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُمْ لَكِنَّهُ قَاهِرٌ مُمْتَنِعٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذْ هُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ قَاهِرًا لَهُمْ حُكْمًا بِخِلَافِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ فَلَا يَكُونُونَ فِي قَهْرِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَوْ دَخَلُوا دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ كَانُوا فَيْئًا وَلَوْ دَخَلَ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ فَقَاتَلَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَهَرُوهُمْ كَانُوا لَهُمْ خَاصَّةً لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِمْ مَقْهُورِينَ بِحُصُولِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَخْرَجَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ بِشَوْكَتِهِمْ إذَا كَانُوا جُنْدًا عَظِيمًا وَإِلَّا فَبِالْأَمَانِ فَلَا يَجُوزُ غَدْرُهُمْ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدٍ مَحْجُورٍ عَنْ الْقِتَالِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَمَانُ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَنْ الْقِتَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَهْلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ) أَيْ وَلَا نَبْعَثُ التُّجَّارَ إلَيْهِمْ. اهـ. اك (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكُرَاعُ) يَعْنِي الْخَيْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَمِيرُ) يُقَالُ مَارَ أَهْلَهُ أَيْ أَتَاهُمْ بِالطَّعَامِ. اهـ. اك.
(قَوْلُهُ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا) وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْأَدْنَى بِالْأَقَلِّ احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ الْآتِي إذْ عِنْدَهُ الْمُرَادُ بِأَدْنَاهُمْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْعَبْدُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ
(قَوْلُهُ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاحِدٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ وَاحِدَةٍ اهـ