فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ لِمَا قُلْنَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ فِيهِ لِرُجْحَانِ الصَّبْغِ بِكَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا دُونَ الثَّوْبِ وَعَدَمُ حُدُثِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ بَاقِيًا قَبْلَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَسْوَدَ يَرُدُّ) أَيْ لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ يَرُدُّ الثَّوْبَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى الثَّوْبِ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ وَبِنُقْصَانِ الْمَسْرُوقِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَيَرُدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ السَّوَادُ زِيَادَةٌ لَكِنْ بِالزِّيَادَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَلْ يَرُدُّ وَيَأْخُذُ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقَطِعُ وَلَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْحُمْرَةِ وَكَذَا إذَا قَطَّعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) شَرَائِطُ قَطْعِ الطَّرِيقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثَلَاثَةٌ يَعْنِي مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى ثَلَاثَةٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ تَنْقَطِعُ بِهِمْ الطَّرِيقُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مِصْرٍ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْقُرَى وَلَا بَيْنَ مِصْرَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ إنَّمَا يَكُونُ بِانْقِطَاعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَنْقَطِعُونَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَلَا يُتْرَكُ الْمُرُورُ وَالِاسْتِطْرَاقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ
وَهِيَ دَفْعُ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُتَلَصِّصَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَخَذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ وَقُتِلَ وَصُلِبَ أَوْ قُتِلَ أَوْ صُلِبَ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33].
وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَتَفَاوَتَ جَزَاؤُهَا وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنْوَاعَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَكَانَ بَيَانُ جَزَائِهَا أَهَمُّ وَهَذَا لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْأَجْزِيَةِ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنَايَةِ وَهِيَ الْمُحَارَبَةُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا فَاكْتَفَى بِإِطْلَاقِهَا وَبَيَّنَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ فَوَجَبَ التَّقْسِيمُ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْجِنَايَةِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يُسَوِّيَ فِي الْعُقُوبَةِ مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الْجِنَايَةِ كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ بِهَذَا التَّقْسِيمِ فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزِيَةِ فَعَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ تَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَجَوَابُهُ أَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْجِنَايَاتِ فَاقْتَضَتْ الِانْقِسَامَ فَتَقْدِيرُهُ أَنْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا أَوْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقَطَّعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ]
ِ) أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَأَحْكَامِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ سَرِقَةً مُطْلَقًا وَلِذَا لَا يَتَبَادَرُ هُوَ أَوْ مَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ السَّرِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَتَبَادَرُ الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ وَلَكِنْ أَطْلَقَ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ اسْمَ السَّرِقَةِ مَجَازًا لِضَرْبٍ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ مِنْ الْكَشَّافِ وَأَرْبَابِ الْإِدْرَاكِ فَكَانَ سَرِقَةً مَجَازًا وَلِذَا لَا تُطْلَقُ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيُقَالُ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى وَلَوْ قِيلَ السَّرِقَةُ فَقَطْ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يُسَمَّى سَرِقَةً كُبْرَى أَمَّا كَوْنُهُ سَرِقَةً فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً عَنْ عَيْنِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ حِفْظُ الطَّرِيقِ وَالْمَارَّةِ لِشَوْكَتِهِ وَمَنَعَتِهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ كُبْرَى فَلِأَنَّ ضَرَرَهُ يَعُمُّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ بِزَوَالِ الْأَمْنِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِنَّ ضَرَرَهَا خَاصٌّ بِالْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِأَنَّ مُوجِبَ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَغْلَظُ مِنْ حَيْثُ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَلَيْسَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ تُقَدَّمُ السَّرِقَةُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى لِأَنَّ الصُّغْرَى أَكْثَرُ وُقُوعًا وَلِأَنَّ التَّرَقِّي مِنْ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ أَوْ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ فِيمَنْ يُبَاشِرُ عَارِضًا بِالسَّفَرِ وَذَكَرَ الْعَارِضَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ) أَيْ بَعْدَ مَا يُعَزَّرُ. اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ اهـ قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ أَيْ أَحْيَاءً ثُمَّ قَتَلَهُمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ أَوْ صَلَبَ) اعْلَمْ أَنَّ الْقُطَّاعَ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ وَزَادَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ سَتَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: 33] أَيْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُحَارِبُ اللَّهَ وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْبَرَارِي فِي أَمَانِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ فَالْمُعْتَرِضُ لَهُ كَأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ دِرَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّنْ يُقَدِّرُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ اهـ (قَوْلُهُ التَّوْزِيعُ) أَيْ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ قَطْعِ الطَّرِيقِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ) كَأَنَّهُ قَالَ أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا إلَخْ لَا التَّخْيِيرُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ مُتَشَبِّثًا بِظَاهِرِ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ وَمَنْ قَتَلَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ صُلِبَ». اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا) أَيْ عَادَةً بِتَخْوِيفٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلٍ وَأَخْذِ مَالٍ. اهـ. كَافِي