هُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَوْلُ عَائِشَةَ «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ وَرَدَ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا لَطَالَ الْكِتَابُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ كَانَ يُصَلِّيهَا حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ فِي تَأْخِيرِهَا تَعْرِيضُهَا لِلْفَوَاتِ قُلْنَا الْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَمِنَ الْفَوَاتَ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْعِشَاءُ وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا» وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى سَهَرٍ يَفُوتُ بِهِ الصُّبْحُ أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ فِي كَلَامِهِ لَغْوٌ فَلَا يَنْبَغِي خَتْمُ الْيَقَظَةِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَادَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ وَحِكَايَةُ الصَّالِحِينَ وَمُذَاكَرَةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثُ مَعَ الضَّيْفِ وَعَنْ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْمَرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا كَرِهَ النَّوْمَ قَبْلَهَا لِمَنْ خَشَى عَلَيْهِ فَوْتَ وَقْتِهَا أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ وَكَّلَ لِنَفْسِهِ مَنْ يُوقِظُهُ فِي وَقْتِهَا فَمُبَاحٌ لَهُ النَّوْمُ، ثُمَّ قِيلَ تَأْخِيرُهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ وَإِلَى مَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ فِي الصَّيْفِ لِقِصَرِ اللَّيَالِي فَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ النَّوْمُ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوِتْرُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ إذَا كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَنْتَبِهُ لِيُصَلِّيَ لِيَكُونَ الْوِتْرُ خَتْمًا لِقِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ؛ فَقَالَ أَخَذْت بِالْوُثْقَى، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ، قَالَ أَخَذْت بِالْقُوَّةِ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ حَذِرٌ هَذَا وَلِعُمَرَ قَوِيٌّ هَذَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَمَا نَدْرِي أَمَا ذَهَبَ مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ» وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعَصْرِ، وَكَذَا أَخَّرَ تَعْجِيلَ الْمَغْرِبِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ مَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ صِنْفًا وَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ صِنْفًا فَقَدَّمَ مَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ شَرَعَ فِيمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَغْرِبِ) أَيْ نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَأَنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاشْتِبَاكُهَا كَثْرَتُهَا وَلِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَصَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ كَمَا فَعَلَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ تَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ وَلَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِعْلًا وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُبَاحُ لَهُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ إلَى تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: قَطْعَ السَّمَرِ) السَّمَرُ الْمُسَامَرَةُ وَهُوَ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ وَقَدْ سَمَرَ يَسْمُرُ فَهُوَ سَامِرٌ. اهـ. مَجْمَعٌ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ) أَيْ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: أَمَا ذَهَبَ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا مَوْصُولَةٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَيَأْتِي وَتَأْخِيرُهَا لِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ وَهِيَ خِلَافِيَّةٌ وَسَنَذْكُرُهَا فِي النَّوَافِلِ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَمَا رَوَى الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى بَدَا نَجْمٌ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ هُوَ مَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّجْمِ، وَفِي الْمُنْيَةِ لَا يُكْرَهُ فِي السَّفَرِ وَلِلْمَائِدَةِ أَوْ كَانَ يَوْمَ غَيْمٍ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَخَّرَهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَلَا يَبْعُدُ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِالْيَهُودِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبَيْنَ عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِعْلًا) بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْجَمْعِ وَقْتًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015