بِمَوْتِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَاعْتِبَارُهُ بِمَوْتِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَلَمْ تُرْجَ خُصُومَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَيًّا وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَقُّ إلَّا لِلْوَارِثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَا يَكُونَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَأَوْلَادِ بِنْتِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَيُورَثُ
وَعِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتُ الْخُصُومَةِ لِلْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِصَاحِبِ الْمَالِ الْخُصُومَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعَاقَبَانِ بِسَبَبِهِمَا حَتَّى سَقَطَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» فَالْحَدُّ أَوْلَى لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِسَبَبِهِ وَكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا وَلِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ حَقًّا لِلْمَوْلَى فَلَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَبٌ وَنَحْوُهُ وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْعَبِيدِ يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْمِيرَاثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ بَعْضِهِمْ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءِ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ ضَرُورَةً وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ حَقُّ الْخُصُومَةِ إذَا لَحِقَهُ بِهِ شَيْنٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ فَبِسُقُوطِ حَقِّ بَعْضِهِمْ فِي الْخُصُومَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِينَ وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمْ حَقٌّ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ لَا بِالرُّجُوعِ وَالْعَفْوِ) يَعْنِي حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَا بِالْعَفْوِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْعَبْدِ فَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْعَفْوِ وَبِالنَّظَرِ إلَى حَقِّ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّ فِيهِ الْحَقَّيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ لِصِيَانَةِ عَرْضِ الْعَبْدِ وَلِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ صَارَ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَإخْلَاءً لِلْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا سُمِّيَ حَدًّا فَلَمَّا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَدِلَّةُ تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ أَيْضًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُبَاحُ الْقَذْفُ بِإِبَاحَتِهِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ سُقُوطِهِ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ إلَى أَنْ يَثْبُتَ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ
وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ إحْصَانُهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ، وَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى سَائِرِ الْحُدُودِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّجْمِ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَإِذَا تَعَارَضَ فِيهِ الْحَقَّانِ كَانَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَلَدُ الْبِنْتِ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ أَخٌ وَلَا عَمٌّ وَلَا جَدٌّ أَبُو الْأَبِ وَلَا أُمُّ الْأُمِّ وَلَا عَمَّةٌ وَلَا مَوْلَاةٌ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قُلْت قَدْ ظَهَرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ إنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ زُفَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَمَا وَجْهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ إذَا قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ قُلْنَا ذَاكَ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ، اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَطْلُبُ وَلَدٌ وَعَبْدٌ أَبَاهُ وَسَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) أَيْ الَّتِي قَذَفَهَا فِي حَالِ مَوْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَوْ لِابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْوَلَدِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ إذَا كَانَ الْقَاذِفُ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُمَّهُ أَوْ جَدَّتَهُ وَإِنْ عَلَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي قَالَ لِوَلَدِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْطُلُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ إلَخْ) أَيْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ عَفْوِهِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَكَذَا بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَبْطُلُ) أَيْ الْبَاقِي عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْبَاقِيَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَحَقَّ الْعَبْدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ) أَيْ كَالْقِصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ) أَيْ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ) أَيْ كَالْعُقُوبَاتِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ التَّالِفِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْعَفْوُ) أَيْ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْقَذْفُ وَالْإِحْصَانُ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ خُصُومَتَهُ شَرْطٌ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يَصِحُّ الْعَفْوُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ) أَيْ إذَا عَلِمَهُ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ وَلِذَا لَوْ قَذَفَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي حَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يُسْتَقْضَى ثُمَّ وَلِيَ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ حَتَّى يُشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ،. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا سَمِعَ إنْسَانًا يَقْذِفُ إنْسَانًا وَطُولِبَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يَحْتَاج الْمَقْذُوفُ إلَى بَيِّنَةٍ بَلْ يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي وَهُوَ سَمَاعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْكَذِبِ أَمَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِيهِ الْحَقَّانِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الْمُكَذِّبِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ أَلْحَقَ