الشُّهُودُ أَيْضًا
وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّونَ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ لَمْ يَتَكَامَلْ فِي كُلِّ زِنًا فَصَارُوا قَذْفَةً وَلَنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ وَقَعَ شَهَادَةَ صُورَةٍ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتَمَامِ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ فَاعْتَبَرْنَا تَكَامُلَ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ اعْتِبَارًا لِلصُّورَةِ وَاعْتَبَرْنَا نُقْصَانَ الْعَدَدِ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَقُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَدُّ الزِّنَا اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا جَاءَ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] شَرْطُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ وَالْإِحْصَانِ مُطْلَقًا عَنْ الْقَاذِفِ وَقَدْ وُجِدَ
وَإِنْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِأَنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ وَأَرْبَعَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَا وَقْتًا وَاحِدًا بِأَنْ شَهِدَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ وَلَا يُعْرَفُ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ فَيَعْجِزُ الْقَاضِي عَنْ الْحُكْمِ بِهِمَا لِلتَّعَارُضِ أَوْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَهُنَا أَظْهَرُ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزِّنَا تَمَّ فِيهِ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَيُحْتَمَلُ صِدْقُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَلَا يُحَدُّونَ مَعَ الِاحْتِمَالِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَا فِي زَاوِيَةٍ وَكَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُقْبَلُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَانْتِهَاؤُهُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى يَنْتَقِلَانِ إلَيْهِ بِالِاضْطِرَابِ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبَهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَسْبِ مَا عِنْدَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفُوا فِي سَاعَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ مُتَقَارِبَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَمْتَدَّ الزِّنَا إلَيْهَا يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَالَةَ الزِّنَا يُقْبَلُ وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ فَيُعَايِنَ كُلُّ فَرِيقٍ غَيْرَ الَّذِي عَايَنَهُ الْآخَرُ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَذَ فِي الْعَمَلِ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا يُقْبَلُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ يُصَارُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ أَصْلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَشْهَدُ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَصْحَابُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ وَالشُّهُودُ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَإِنْ شَهِدَ الْأُصُولُ أَيْضًا لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) يَعْنِي لَمْ يُحَدَّ الزَّانِيَانِ وَلَا الشُّهُودُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْبَكَارَةِ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى الشُّهُودِ وَلِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ إنَّهَا بِكْرٌ وَقَوْلُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ مَجْبُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ صُورَةً وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَهُنَا لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدُوا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّونَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ) أَيْ عَنْ الْقَاذِفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانِ) أَيْ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُقْبَلُ) أَيْ كَالدَّارَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْقِيَاسُ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ اهـ (قَوْلُهُ وَانْتِهَاؤُهُ فِي زَاوِيَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا شَهِدُوا فَاخْتَلَفُوا فِي الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةِ فَإِنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ كُرْهًا وَانْتِهَاؤُهُ طَوَاعِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ إذَا كَانَ عَنْ إكْرَاهٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَبِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ يَجِبُ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَهُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الزَّاوِيَتَيْنِ يَجِبُ فَافْتَرَقَا اهـ (قَوْلُهُ يَنْتَقِلَانِ إلَيْهِ بِالِاضْطِرَابِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَا قِيلَ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفُوا نَقْلَهُ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا قَائِمٌ فِي الْبَلَدَيْنِ نَعَمْ إنَّمَا هُمْ مُكَلَّفُونَ بِأَنْ يَقُولُوا مَثَلًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْوَجْهُ مَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا) أَيْ أَنَّهَا بَيْضَاءُ أَوْ سَمْرَاءُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي طُولهَا وَقِصَرِهَا) أَيْ أَوْ فِي سِمَنِهَا وَهُزَالِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ التَّوْفِيقُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِإِيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ احْتِيَالٌ لِلْإِقَامَةِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالِاحْتِيَالِ لِلدَّرْءِ قُلْنَا التَّوْفِيقُ فِي الْحُدُودِ مَشْرُوعٌ صِيَانَةً لِلْبَيِّنَاتِ عَنْ التَّعْطِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَشْهَدُ بِزِنًا إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَرْبَعَةً لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَهِدَ بِالزِّنَا الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى هَذَا الِاتِّحَادِ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ الِاخْتِلَافِ ثَابِتٌ بِأَنْ كَانَ الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِزِنًا عَلَى حِدَةٍ وَفِي ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ كِفَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ) إذْ لَا بَكَارَةَ مَعَ الزِّنَا وَقَوْلُ النِّسَاءِ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَتَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِشَهَادَتَيْنِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَمْ تُعَارِضْ شَهَادَتُهُنَّ شَهَادَتَهُمْ بَلْ تَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ بَكَارَتُهَا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ تَعُودَ الْعَذِرَةُ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي إزَالَتِهَا فَلَا تُعَارِضُ شَهَادَةَ الزِّنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ وَإِنْ عَارَضَتْ بِأَنْ لَا يُتَحَقَّقَ عَوْدُ الْعَذِرَةِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ شَهَادَتُهُنَّ وَلِأَنَّهَا لَا تُقَوِّي قُوَّةَ شَهَادَتِهِمْ قُلْنَا سَوَاءٌ انْتَهَضَتْ مُعَارَضَةٌ أَمْ لَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُورِثَ شُبْهَةً بِهَا يَنْدَرِئُ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مُتَكَامِلَةٌ اهـ وَكُتِبَ مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا اهـ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ إذَا أَشْهَدُوا عَلَى