(وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةً) أَيْ لَوْ كَانَ الزَّانِي غَيْرَ مُحْصَنٍ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَالْخِطَابُ لِلْأَئِمَّةِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَ الْإِمَامُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِمَا ذَكَرْنَا فَبَقِيَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَادَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَوْ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهُنَّ أَكْثَرُ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِنَّ وَقِلَّةِ دِينِهِنَّ وَعَدَمِ حِفْظِهِنَّ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفٌ لِلْعَبْدِ) أَيْ نِصْفُ الْمِائَةِ لِلْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَلْدُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَإِذَا ثَبَتَ التَّنْصِيفُ فِي الْإِمَاءِ لِمَكَانِ الرِّقِّ الْمُنْقِصِ لِلْكَرَامَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إذْ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْمِثْلِ الْآخَرِ أَوْ نَقُولُ دَخَلَ الْعَبِيدُ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي «خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» وَلَفْظُ خَمْسٍ بِلَا تَاءٍ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَدَخَلَ الذُّكُورُ فِيهِ إمَّا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ وَفِي مِثْلِهِ يُغَلَّبُ الذُّكُورُ عَادَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] وَغَيْرُهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ مُتَوَسِّطًا) أَيْ يُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ) أَيْ وَهُوَ حُرٌّ اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَفْعُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُمَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَفِيمَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي أَيْ حُكْمُهُمَا وَهُوَ الْجَلْدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ فَاجْلِدُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَدُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّتِي زَنَتْ وَاَلَّذِي زَنَى فَاجْلِدُوهُمَا كَقَوْلِك مَنْ زَنَى فَاجْلِدُوهُ اهـ
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا نُسِخَتْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ) أَيْ قَطْعًا وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ أَنَّ النَّاسِخَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَكَتَ النَّاسُ فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا إذْ ذَاكَ حُضُورًا ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْسُبْهُ لِلْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ وَعُرِفَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ فَيَكُونُ رَأْيُهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِآيَةٍ أُخْرَى نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا رَوَاهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَتِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَقَالَ إنَّ مِمَّا يُتْلَى فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَلَا تُهْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا صَرَفَهَا عَنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ لِحِكْمَةٍ لَمْ يَكْتُبْهَا عُمَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا. اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ بِالذِّكْرِ) أَيْ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ عَكْسُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ لَمْ تُطْمِعْهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ لَمْ يَطْمَعْ) بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ حَيْثُ قُدِّمَ الرَّجُلُ فِيهَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْعُدْوَانِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) أَيْ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] اهـ
(قَوْلُهُ {فَعَلَيْهِنَّ} [النساء: 25] أَيْ الْإِمَاءِ إذَا أُحْصِنَّ أَيْ تَزَوَّجْنَ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَيْ زَنَيْنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ {مِنَ الْعَذَابِ} [البقرة: 96] أَيْ مِنْ الْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ) أَيْ فَلَا رَجْمَ عَلَى الرَّقِيقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْجَلْدُ لِذَلِكَ أَوْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ إلَخْ) وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ وَشَرْطِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. ابْنِ فِرِشْتَا فِي الْحَجْرِ (قَوْلُهُ وَالْعُقُوبَاتُ ثَبَتَ فِي الْعَبِيدِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَأَنَّثَ لِلتَّغْلِيبِ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ يَدْخُلُونَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ وَالنَّصُّ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الْإِمَاءِ أَعْنِي قَوْلَهُ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] إلَى قَوْلِهِ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ثُمَّ تَمَّمَ حُكْمَهُنَّ إذَا زَنَيْنَ وَلِأَنَّ الدَّاعِيَةَ فِيهِنَّ أَقْوَى وَهُوَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ أَعْنِي الْإِحْصَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ عَلَى الْأَرِقَّاءِ نِصْفَ الْمِائَةِ أُحْصِنُوا أَوْ لَمْ يُحْصَنُوا وَأَسْنَدَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يُجَوِّزُونَ أَنَّ الْإِيرَادَ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أُحْصِنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ» وَنُقِلَ عَنْ الْعَبَّاسِ وَطَاوُسٍ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُحْصَنَا بِزَوْجٍ وَعَلَى هَذَا مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقُرِئَ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَتُؤُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَسْلَمْنَ
. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ) قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ الْمُرَادُ بِثَمَرَةِ السَّوْطِ عَذَبَتُهُ وَذَنَبُهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ وَاحِدَةِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عُقَدُ أَطْرَافِهِ وَرَجَّحَ الْمُطَرِّزِيُّ إرَادَةَ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلِيًّا حَدَّ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ وَفِي