بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَيْهَا كَالْوُضُوءِ وَالسَّعْيِ وَالنَّذْرِ بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ وَلَهَا نَظِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ لَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَارَتْ كِنَايَةً عَنْ إيجَابِ الْإِحْرَامِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذْ النَّاسُ تَعَارَفُوا الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ «وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخْتَ عُقْبَةَ حِينَ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجًا مِنْهَا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَارَ كِنَايَةً عَنْ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَالِالْتِزَامُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِأَحَدِهِمَا لِلْعُرْفِ فَإِذَا لَزِمَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ مَشَى وَهُوَ أَكْمَلُ وَفِيهِ إيفَاءٌ بِمَا الْتَزَمَهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ وَاحِدَةٌ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ الِالْتِزَامِ لَكِنْ فِيهِ نَصٌّ عَلَى الْمَشْيِ وَفِي الْمَشْيِ فَضِيلَةٌ فَتُرَاعَى تِلْكَ الصِّفَةُ لِفَضِيلَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَ بِثَوْبِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِ التَّصَدُّقِ بِهِ بِمَكَّةَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْحَطِيمَ لِعَدَمِ التَّقَرُّبِ بِالضَّرْبِ وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَذَبَحَ شَاةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتُرِقْ دَمًا» وَكَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَنْوِي مَسْجِدًا مِنْ الْمَسَاجِدِ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ إذْ الْمَسَاجِدُ كُلُّهَا بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحَرَّرَتْ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَكَانَتْ مُعَدَّةً لِإِقَامَةِ طَاعَتِهِ تَعَالَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْخُرُوجِ أَوْ الذَّهَابِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَاللُّزُومُ لِلْعُرْفِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ لِأَنَّ الْحَرَمَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ شَامِلٌ لِلْبَيْتِ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ بِلَفْظَةِ الذَّهَابُ وَالْخُرُوجُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ) أَيْ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذِهِ السَّنَةَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ حَجَجْت وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ وَلَا يَعْتِقُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتِقُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ وَهُوَ عَدَمُ الْحَجِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إذْ لَا مُطَالَبَ لَهَا وَهِيَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ أَيْضًا فَبَقِيَ النَّفْيُ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بَاطِلَةٌ فَإِنْ قِيلَ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ إذَا لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ وَأَمَّا إذَا أَحَاطَ بِهَا فَتُقْبَلُ وَهُنَا أَحَاطَ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ التَّضْحِيَةِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَصَارَ نَظِيرُ شَهَادَتِهِمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ النَّصَارَى وَهُوَ يَقُولُ وَصَلْت بِهِ قَوْلَ النَّصَارَى قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِإِحَاطَةِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِهِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْبَيْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي وَجْهٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ إلَى بَكَّةَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَعَارَفٌ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ السَّعْيِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ الذَّهَابِ أَوْ الرُّكُوبِ أَوْ الْإِتْيَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهُوَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْحَرَمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يَشْمَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْتُ فَإِذَا ذَكَرَ الْبَيْتَ وَحْدَهُ يَلْزَمُهُ فَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَا يَشْمَلُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي لَفْظِ الْمَشْيِ لَيْسَ مَا يُنَبِّئُ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّ فِي النَّذْرِ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى مَكَّةَ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْإِجْمَاعِ خَارِجًا عَنْ الْقِيَاسِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا أَوْ إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّضْحِيَةِ بَاطِلَةٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَئِنْ قَالَ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ وَهِيَ إثْبَاتٌ فَمِنْ ضَرُورَتِهَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحَجِّ ضِمْنًا وَالضِّمْنِيَّاتُ لَا تُعَلَّلُ قُلْنَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِثْبَاتِ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالتَّضْحِيَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالْقَاضِي لَا يُجْبِرُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ عَدَمُ الْمُطَالِبِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ ثَبَتَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ وَالشَّهَادَةُ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ لَا مُطَالِبَ لَهَا) أَيْ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهُوَ الْعَبْدُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يَطْلُبُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُعَلَّقْ بِهَا وَمَا لَا مُطَالِبَ لَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّضْحِيَةِ بَقِيَتْ فِي الْحَاصِلِ عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ مَقْصُودًا وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ بَاطِلَةٌ. اهـ. كَمَالٌ