يَحْنَثُ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ بِهِ غَيْرَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيَحْنَثُ بِفِعْلِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ حَقِيقَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّتِهِ أَوْ يَكُونُ مِثْلُهُ لَا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالْقَاضِي وَالْأَمِيرِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِالْيَمِينِ عَمَّا يَعْتَادُهُ وَعَادَتُهُ الْأَمْرُ بِهِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَبِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا تَتَقَيَّدُ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ مِمَّا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِالْحَلِفِ التَّوَقِّي مِنْ الْحُقُوقِ وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُ تَارَةً وَيَأْمُرُ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْخَلْعُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ وَالذَّبْحُ وَالْبِنَاءُ وَالْخِيَاطَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ وَالْكِسْوَةُ وَالْحَمْلُ) أَيْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَحْنَثُ فِيهَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْكِيلِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَبِمُبَاشَرَةِ وَكِيلِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَمِنْ الْآمِرِ حُكْمًا فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ مِنْ الْآمِرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَنَا أَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ التَّوَقِّي عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِحُقُوقِهَا فَصَارَ مُبَاشَرَةُ الْوَكِيلِ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَالْحُقُوقِ وَصَارَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَلِهَذَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهَا إلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَهَا بِأَمْرِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ وَمَا كَانَ مِنْهَا حِسِّيًّا كَضَرْبِ الْغُلَامِ وَالذَّبْحِ وَنَحْوِهِمَا مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ وَمَنْفَعَةُ ضَرْبِ الْعَبْدِ عَائِدَةٌ إلَى الْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ أَمْرِ الْمَوْلَى

وَيَسْعَى فِي مَصَالِحِهِ إذَا ضَرَبَهُ فَصَارَ ضَرْبُهُ كَضَرْبِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ ضَرْبِ الْوَلَدِ فَإِنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ تَحْصُلُ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّبُ بِهِ وَيَرْتَاضُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ رَجُلًا حُرًّا فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِضَرْبِ الْمَأْمُورِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَلَا يَصِحُّ أَمْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ قَاضِيًا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ ضَرْبَ الْأَحْرَارِ حَدًّا وَتَعْزِيرًا فَيَمْلِكَانِ الْأَمْرَ بِهِ فَيُضَافُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَيْهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ بِأَمْرِهِمَا الضَّمَانُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ فِي الطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ نَوَيْت أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ بِهِ وَلَا أَلِيَ بِنَفْسِي صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فِي ذَبْحِ الشَّاةِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ نَوَيْت أَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ بِالْأَمْرِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَ لَهُ حَنِثَ قُلْنَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ مِنْهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَهَذَا الشَّرْطُ لِلْحِنْثِ بَلْ مِنْ الْعَاقِدِ حَقِيقَةً حُكْمًا وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ لَا كُلُّ حُكْمٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَعْلَى بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ عَلَى حَلْقِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْحَلْقِ مُطْلَقًا فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالْأَمْرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْفِعْلِ لَيْسَ إلَّا الْأَمْرَ بِهِ فَيُوجَدُ سَبَبُ الْحِنْثِ بِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ رُبَّمَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ عَقْدَ بَعْضِ الْبَيْعَاتِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْيَمِينِ عَلَى عَقْدِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ صَاحِبِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِسَيْفِ الْأَئِمَّةِ السَّائِلِي حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَوَكَّلَ رَجُلًا فَلَمْ يُقْبَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ اهـ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُوَكِّلُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ فَوَكَّلَ هَلْ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ) أَيْ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَسَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ) أَيْ وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ اهـ ك (قَوْلُهُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ) أَيْ وَالْخُصُومَةُ وَالشَّرِكَةُ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ يَعْقِدُ مَعَ فُلَانٍ عَقْدَ الشَّرِكَةِ نِيَابَةً عَنْهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْقُولٌ أَيْضًا إلَى الْآمِرِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ لَيَخِيطَنَّ ثَوْبَهُ أَوْ لَيَبْنِيَنَّ دَارِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنْ يَبْنِيَهَا بِيَدِهِ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى حُرٍّ لَيَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ وَأَمَّا السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي إذَا قَالَ لَأَضْرِبَنَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِيَدِهِ فَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَنْزَجِرُ عَنْ الْقَبَائِحِ) أَيْ فَلَمْ يُنْسَبُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْأَبِ أَيْضًا لَكِنْ أَصْلُ الْمَنَافِعِ وَحَقِيقَتُهَا إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا مُوجِبَ لِلْفِعْلِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا وَعُرْفِ عَامَّتِنَا فَإِنَّهُ يُقَالُ ضَرَبَ فُلَانٌ الْيَوْمَ وَلَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيك عَلْقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَعُدُّ الْأَبُ نَفْسَهُ قَدْ حَقَّقَ إيعَادَ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنًى لَا يَقَعُ بِك ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ اهـ كَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا أَلِيَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ أَتَوَلَّاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً) أَيْ لِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ يَعْلَمُ مِنْ ضَمِيرِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ فَوَكَّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ إلَى الْآمِرِ مَجَازًا ثُمَّ إنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَكُمْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمَأْمُورَ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَنْتُمْ تَأْبَوْنَهُ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ بَلْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ كَانَ نَاقِلَ عِبَارَةٍ لِلْمُوَكِّلِ فَانْضَافَ الْعَقْدُ كُلُّهُ لَفْظًا وَحُكْمًا إلَيْهِ فَيَحْنَثُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ لِلْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ شِعْرٍ أَوْ حِكْمَةٍ هَذَا لَيْسَ كَلَامَ هَذَا الرَّجُلِ بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ وَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَدَمُ لُزُومِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْعُقُودِ نَظَرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015