لَوْ عَزَلَ عَنْهَا لَا تَكُونُ سُرِّيَّةً عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ التَّحْصِينِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ كَمَا يَكُونُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَا يَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرَ مِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَةِ الْغَيْرِ إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا وَجَامَعَهَا لَمْ تَعْتِقْ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ إلَّا بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَيَصِيرُ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ ذِكْرَ التَّسَرِّي ذِكْرٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِتْقُهَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ ثَبَتَ اقْتِضَاءً ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي وَهُوَ شَرْطٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا
وَلَا يَظْهَرُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ اقْتِضَاءً لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ التَّسَرِّي شَرْطًا لِلْعِتْقِ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَلَا يَكُونُ التَّسَرِّي إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلَزِمَ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ التَّسَرِّي وَأَمَّا نُزُولُ الْجَزَاءِ فَالشَّرْطُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ثُبُوتُ الشَّرْطِ بِدُونِ نُزُولِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّسَرِّي يُوجَدُ وَإِنْ لَمْ تَعْتِقْ الْأَمَةُ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ ظَهَرَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْعِتْقُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ الَّذِي فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ صَادَفَ التَّعْلِيقَ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطٍ سَيُوجَدُ وَوِزَانُ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثًا لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِلنِّكَاحِ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرًا لِلنِّكَاحِ فِي صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَمَا تَنَاوَلَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ تَقْدِيرِ الْكَلَامِ إنْ مَلَكْت جَارِيَةً وَتَسَرَّيْت بِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَعْتِقُ مَنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمئِذٍ إذَا تَسَرَّى بِهَا وَوِزَانُ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ زُفَرُ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ إنْ تَسَرَّيْت بِك فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَاهَا فَتَسَرَّى بِهَا عَتَقَ عَبْدُهُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ إلَى الْكَامِلِ وَمِلْكُهُ لِهَؤُلَاءِ كَامِلٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُمْ رَقَبَةً وَيَدًا وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ أَوْ بِالْعَكْسِ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ بِوَصْفٍ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ وَلَا عُمُومَ لَهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَلَوْ قَالَ نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ حَقِيقَةً لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنَّ الْأُنْثَى يُقَالُ لَهَا مَمْلُوكَةٌ لَكِنْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِمْ لَفْظُ التَّذْكِيرِ عَادَةً بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ فَتَكُونُ نِيَّتُهُ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت الرِّجَالَ خَاصَّةً حَيْثُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا لَوْ قَالَ نَوَيْت غَيْرَ الْمُدَبَّرِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مُكَاتَبُهُ) أَيْ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ وَيَضْمَنُ جِنَايَتَهُ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قَاصِرًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْمُخْتَلِعَةِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا كَامِلٌ فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ وَالرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُجْزِيَانِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمُكَاتَبُ عَكْسُهُ فَإِنَّ رِقَّهُ كَامِلٌ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَانْعَكَسَ الْحُكْمُ لِذَلِكَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَعَطَفَ الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَخْتَصُّ بِمَحِلِّ الْحُكْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الْعِتْقُ وَالْإِقْرَارُ) حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ وَخَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ لِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِلثَّالِثِ بِأَلْفٍ فَيَكُونُ لِلثَّالِثِ نِصْفُهُ وَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُهُ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ النِّصْفَ لِلْأَوَّلِ وَالنِّصْفَ لِلْآخَرَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا عَتَقَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ فَمَلَكَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَحْدَثُ وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَتَقَتْ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ إجْمَاعِيَّةٌ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ الْحَلِفِ فَتَسَرَّاهَا لَا تَعْتِقُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ زُفَرُ تَعْتِقُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِمَكَانِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٍّ عَتَقَ عَبِيدُهُ الْقِنُّ) الْقِنُّ الرَّقِيقُ يَنْطَلِقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ عَبْدٌ قِنٌّ وَعَبِيدٌ قِنٌّ وَأَمَةٌ قِنٌّ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ أَيْضًا وَرُبَّمَا جُمِعَ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ عَرَبِيًّا فَهُوَ هَجِينٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ مُكَاتَبُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ اهـ