يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ حَيْثُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ وَالْهَدْيِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي الْمَنَاسِكِ

وَأَجَازُوا هُنَا اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ فِي الْمَنْصُوصِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إقَامَةُ الْبُرِّ مُقَامَ التَّمْرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ جَعْلُهُ عَنْ الْإِطْعَامِ فِي الظَّاهِرِ خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَخَيَّرُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَلَا يَلْزَمُ حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَارِضٍ بَيْنَ التَّقْيِيدَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَا فَلَا لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ وَهُنَا تَعَارَضَا لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّتَابُعِ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ فَتَعَارَضَا فَبَقِيَ الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِأَنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ كَخَبَرِهِ الْمَشْهُورِ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّا لَا نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي حُكْمَيْنِ

وَأَمَّا إذَا كَانَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَنَحْمِلُهُ وَقَوْلُهُ صَوْمُ الْمُتْعَةِ مُقَيَّدٌ بِالتَّفْرِيقِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ السَّبْعَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَامَهُ فِيهَا مُتَفَرِّقًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا ثُمَّ الْفَقْرُ وَالْيَسَارُ يُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّكْفِيرِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ عِنْدَنَا وَبِعَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ عَلَى الْعَكْسِ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْحَدِّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ كَالتَّيَمُّمِ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ فَيُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَقْتَ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ حَدَّ الْعَبِيدِ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَلَى حَدِّ الْأَحْرَارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُكَفَّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَكَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ حَاصِلٌ بِالسَّبَبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ بِالشَّرْطِ وَالْمَالِيُّ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَ وُجُوبِهِ وَوُجُوبِ أَدَائِهِ أَمَّا الْبَدَنِيُّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَدَاءُ لَمْ يَبْقَ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَجَبَ وَجَبَ أَدَاؤُهُ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْأَدَاءُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَالِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الْفِعْلِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَالُ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يُطَالِبُ وَكَذَا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ يَجِبُ الْمَالُ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ

وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْحُكْمِ طَرِيقًا لَهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ فَكَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِ تَرْكِيبِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ إنَّهُ سَبَبٌ لِحُكْمٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ وَلِهَذَا يُجَامِعُهُ الْمَوْتُ وَهُنَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْعُودِ وَفِي الْيَمِينِ لِسِتْرِ الْجِنَايَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ سَبَبٌ فَإِنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا لَهُ وَقْتَ الْحِنْثِ وَقَبْلَهُ سَبَبٌ لِلْبِرِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ سَبَبًا لِشَيْءٍ ثُمَّ يَجْعَلُهُ النَّاسُ سَبَبًا لِغَيْرِهِ كَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لِلْهُدَى وَالْكُفَّارُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلضَّلَالِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ أَعْطَى عَشْرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا بَيْنَهُمْ وَهُوَ ثَوْبٌ كَثِيرُ الْقِيمَةِ يُصِيبُ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَأَجْزَأَهُ مِنْ الْإِطْعَامِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا حَنِثَ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يَجِدُ مَا يَعْتِقُ أَوْ يَكْسُو أَوْ يُطْعِمُ فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ اهـ

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالرِّقِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ) فَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَدَمُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَقَالَ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] اهـ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قَبْلَ الْحِنْثِ) أَيْ دُونَ الصَّوْمِ اهـ وَعَنْهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ رِوَايَتَانِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إضَافَتِهَا إلَيْهَا) قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] اهـ فَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْمُضَافِ الْوَاقِعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ مُتَعَلِّقِهِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَإِذَا ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَرْطٌ

وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ثَابِتٌ شَرْعًا كَمَا جَازَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَكَمَا فِي تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجُرْحِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالسِّرَايَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْمَالُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا يُقَدِّمُ الصَّوْمَ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْوَاجِبِ بَعْدَ السَّبَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُعْرَفْ شَرْعًا إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا صَوْمًا كَانَ أَوْ مَالًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّقْدِيمِ اهـ

(قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ مُحَرِّمَةٌ لَهُ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ لَا لِلْحِنْثِ اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015