أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُضَافَةٌ إلَى الزَّوْجِ، وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَهُوَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا

وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتُهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ الزَّوْجِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ فِيهَا وَلَا لِلتَّمْكِينِ غَيْرَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَافْتَرَقَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ الْمُرْتَدَّةُ، وَعَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ إذَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ

وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَسْقُطُ بِاللِّحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ فَلَأَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى عَلِيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] أَوْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ بِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ نَفَقَةٌ لِلْوَلَدِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ لِمَا تَلَوْنَا

وَتَقْيِيدُهُ بِالطِّفْلِ وَالْفَقِيرِ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِهَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا أَوْ كَبِيرًا، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَالْبَالِغَ إذَا كَانَ ذَكَرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ) أَيْ لَا تُجْبَرُ أُمُّ الصَّغِيرِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَالْإِرْضَاعَ نَفَقَةٌ لَهُ فَكَانَ عَلَى الْأَبِ، وَرُبَّمَا تَعْجِزُ عَنْ إرْضَاعِهِ، وَامْتِنَاعُهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ عَنْ إرْضَاعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ غَالِبًا، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ فَإِلْزَامُهَا إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إضْرَارًا بِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233]، وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ كَكَنْسِ الْبَيْتِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخَبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا غَيْرُ

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَتِهِ، وَيُحْمَلُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَا إذَا طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تَرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَالْحَضَانَةَ لَهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ تُرْضِعُهُ، وَتَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَحْمِلُ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تُرْضِعُهُ فِي فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تَدْخُلُ بِهِ الدَّارَ إلَى أُمِّهِ هَذَا إذَا كَانَ يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ، وَكَانَ الْوَلَدُ يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ ضَيَاعِهِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُجْبَرُ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ شَرِيفَةً، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أُمِّ الصَّبِيِّ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَوْ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِلَا مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ، وَذَا لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ اهـ

(قَوْلُهُ أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) لَا لِعَيْنِ الرِّدَّةِ، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِحَقٍّ عَلَيْهَا، وَالْحَبْسُ لِحَقٍّ عَلَيْهَا مُسْقِطٌ لِلنَّفَقَةِ كَالْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إلَخْ) وَلَوْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ ارْتَدَّتْ فَحُبِسَتْ أَوْ لَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فَجَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ) حَتَّى قَالُوا إذَا ارْتَدَّتْ وَلَمْ تُحْبَسْ بَعْدُ فَلَهَا النَّفَقَةُ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ وَهُوَ الْحَبْسُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَخْ) لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرْقَةِ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ هُنَا فِي التَّفْرِيقِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ قَبْلَ الرِّدَّةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ قَالَ الْكَمَالُ وَأَطْلَقَهُ فَعَمَّ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْمَالِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ حَتَّى إذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَطْ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُعْطِي مِنْهُ أَجْرَ رَضَاعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُحْتَبِسَةٌ لِغَرَضٍ آخَرَ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً، أَمَّا الْوَلَدُ فَنَفَقَتُهُ لِلْحَاجَةِ وَبِغِنَاهُ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ اهـ

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً) وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ) وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ يُسَبِّبُ تَمْرِيضَهُ وَمَوْتَهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أُمَّهُ) أَيْ لَا تُسْتَأْجَرُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015